|
|
||
|
دراسة نقدية لقصيدة "صديقي" للشاعرة نعيمة المديوني ... اعداد موسى الشيخاني
دراسة نقدية لقصيدة "صديقي" للشاعرة نعيمة المديوني ... اعداد موسى الشيخاني
نبذة عن الكاتبة: نعيمة المديوني نعيمة المديوني شاعرة تونسية معاصرة، تنتمي إلى جيل يستلهم من التراث العربي الأصيل ويزاوجه بالهموم الإنسانية الراهنة. تميزت كتابتها بحس أنثوي عميق، وبنزعة رومانسية ممزوجة بنقد اجتماعي شفيف. قصائدها غالبًا ما تعبر عن التوق للحرية، ومقاومة الزيف، والانتصار للمشاعر الصادقة. أسلوبها يتراوح بين المباشر الشفاف والتصويري العابق بالرمزية، ما يجعل نصوصها مفتوحة على قراءات متعددة.
قراءة نقدية معمّقة لقصيدة «صديقي» أولًا: الموضوع والمضمون القصيدة تدور حول الصداقة كعلاقة تتجاوز حدود المألوف، لتمسّ عمق الذات الأنثوية التي تعاني من الألم، الزيف، والخذلان. الصديق هنا يتجلى كرمز للنجاة، ملجأ في زمن الأقنعة والصور الزائفة، بل يتحول إلى كائن شبه أسطوري يملك قدرة على شفاء الروح، إشعال الأمل، وتبديل موازين الشاعرة الداخلية.
نلحظ أن العلاقة الموصوفة تتخطى المعنى التقليدي للصداقة؛ إذ تتلوّن بنفحات عشقية، وبتوتر عاطفي يوحي بأن الصديق هو «الآخر» المنشود، الجامع بين الحبيب والملاذ الروحي.
ثانيًا: البنية واللغة القصيدة مبنية على تكرار كلمة «صديقي»، ما يمنح النص إيقاعًا داخليًا ويؤسس حالة من التوسل والاعتراف التدريجي. هذا التكرار ليس عفويًا، بل يعمل كبنية شعرية تحاكي تصاعد المشاعر، من القرب الروحي إلى الالتحام الوجودي.
اللغة شاعرية، مشبعة بالصور البصرية (ألوان، الشروق، السواقي) والحسية (الدفء، ضمة الحنان، أقداح المُدام). استعانت المديوني بكثافة الصور الطبيعية كأدوات للتعبير عن الانقلاب الداخلي:
"ترسم بالألوان لوحة للربيع": حيث الصديق يصير باعثًا للحياة بعد جفاف روحي.
"تزيل غيمات الخريف": استعارة لتبديد الحزن واليأس.
ثالثًا: الدلالات والرموز الأقنعة وزيف الصور: إحالة إلى مجتمع مريض بالتظاهر والخداع، حيث تجد الشاعرة نفسها غريبة.
الأحلام تتراقص، الحقول من عسل، زهرة أينعت: رموز لبعث الحياة من جديد، وإشارة إلى أن حضور الصديق يولّد خصوبة معنوية وروحية.
الهروب: رغم هذا الانجذاب العميق، هناك صراع داخلي، خوف من الاستسلام الكلي للعاطفة أو فقدان الذات في الآخر.
رابعًا: الأبعاد النفسية القصيدة تعكس صراع الذات الأنثوية بين:
التوق للدفء والحب
الخوف من الغرق في التعلّق والخذلان.
عبارة مثل "أهرب منك"، رغم اعترافها بأن الصديق يثمل روحها، تعبر عن هذا التوتر النفسي العميق.
خامسًا: الأسلوب الشعري أسلوب المديوني هنا يميل إلى الشعر الحر، مبتعدة عن الأوزان التقليدية، لكن مع المحافظة على موسيقى داخلية عبر التكرار والصور المركبة. لغتها سهلة على السطح، لكن محمّلة بإيحاءات تجعل النص ينفتح على مستويات متعددة:
الصديق قد يكون شخصًا حقيقيًا، أو رمزًا للأمل، أو حتى الذات الثانية التي تعيد بناء الشاعرة من الداخل.
خاتمة النقد قصيدة «صديقي» لنعيمة المديوني ليست مجرد نشيد عن الصداقة؛ إنها مرآة لرحلة شفاء من ألم وجودي عميق، وعمل شعري يزاوج بين الغنائية والرمزية، بين البوح الشخصي والتعبير عن أزمة إنسانية أنثوية شاملة. نجحت الكاتبة في تصوير التحوّل من القنوط إلى الرجاء، مستخدمة صورًا طبيعية ومجازات شفافة تصل بسهولة إلى القارئ، لكنها أيضًا تثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين «الذات» و«الآخر».
***** صديقي ******
صديقي أراك منّي تقترب تحثّ الخطى تمزّق صمْت المللْ تلج أغوار روح أرهقها نزْف الألم أدمتها كثرة الأقنعة وزيف الصّور
صديقي أراك تلج أعماق أعماقي ترسم بالألوان لوحة للرّبيع تنير ظلمة الوجدان تخطّ بأصابع الشّمس حقولا عذابا سواقي من عسل تتراقص الأحلام في كبرياء تزيل غيمات الخريف
صديقي أراك على وجه الفؤاد ترسم صورا مختلفة الألوان صورة الشّروق..... صورة الفجر يعانق طُهر السّماء..... أراك تمحو ببسمة الأيّام سقمي وآحتضاري تبعثر أوراقي تتلف دفاتري القديمة وتقْلِب موازيني
أراني مشتاقة لدفء النّهار مشتاقةٌ لوأد السّهاد لضمّة حنان تنسيني تغوّل الجراح أهرب منك ........ أهرب من سحر عينيك ........ أهرب من زهرة أينعت داخلي .... سقتني أقداح المُدام ....... أثملت روحي بخفق دافئ .........
صديقي وأنت منّي الرّوح اذا تبعثرت الأوراق وامتزجت الأيّام اذا سكنت الأحلام وتواطأ الزّمان أ تكون هنا لمراعاة جنوني ؟ لمداواة جروحي ؟ أ تكون فيّ وتصيرَ مني أنفاسي ؟ أنهكني المشوار ونال منّي السّقم مدرارا
وجئت صديقي جئت ساعة غروب أفلت فيها النّجوم فكنتَ نجمي وكنت حُلمي كنتَ جنوني ونور عيوني كنتَ هبة الأقدار وكنتَ عزف الألحان أ تكون نهاية الأحزان وطبيب الجراح ؟ أ تكون نهرا خصيبا منه ترتوي أرضي وبه ينمو زرعي ؟ أرهقتني لعبة الأقدار ضاع منّي أمسي ويومي وجئتني في غفلة من الزّمان لتشعل فتائل الفؤاد لتأججّ نيران الأشواق غدوْت حُلم النّهار وضياء اللّيل الطّويل غدوْت فرحتي وزغرودة عمري غدوْت مني عمري ياعمري
نعيمة المديوني الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأحد 11-05-2025 09:20 مساء الزوار: 268 التعليقات: 0
|
|