|
|
||
|
قراءة نقدية في قصيدة "تعاتبني والنبض منفطر" للشاعر طاهر مشي.. اعداد موسى الشيخاني
بين الشوق والغياب: قراءة نقدية في قصيدة "تعاتبني والنبض منفطر" للشاعر طاهر مشي.. اعداد موسى الشيخاني
في عالم الشعر المعاصر، تظل بعض الأصوات ممهورة بصدق التجربة وجمال اللغة، لا تستجدي المجاز قدر ما تستولد الصور من رحم الشعور الصافي. ومن هذه الأصوات يبرز الشاعر التونسي طاهر مشي، الذي يمثل بنتاجه الأدبي نموذجًا للشاعر العاشق للغة، المسكون بالحنين، المتلبس بالحرف كقدر وجودي.
مقام السيرة: طاهر مشي، صوت الوجدان التونسي
وُلد الشاعر طاهر بن الجمعي بن رمضان مشي سنة 1976 في منطقة "المش" من معتمدية المكناسي، ولاية سيدي بوزيد – تونس، حيث ترعرع في بيئة ريفية مشبعة بالبساطة والموروث الشعبي، وهو ما ترك أثره واضحًا في مفرداته وصوره الشعرية.
برزت موهبته منذ سنوات مبكرة، وسرعان ما أصبحت الكلمة ملاذه الداخلي، يسكب عبرها وجعه وأمله وعشقه وافتتانه بالكون. لم تكن تجربته الشعرية محصورة في إصدار أو اثنين، بل تُوّجت بمشروع ثقافي كامل حين أسس مؤسسة الوجدان الثقافية سنة 2010، التي تحولت إلى منصة أدبية كبرى لاحتضان المواهب ونشر الإنتاج العربي الراقي، جامعًا حوله مئات الأقلام من أنحاء الوطن العربي.
ديوانه الأبرز "همس الوجدان" يعبّر عن ذلك التوازن بين توتر العاطفة واستقرار اللغة، بين الحداثة الشكلية والجذر التراثي في المعنى، وهو ما يؤكد امتلاك الشاعر لناصية الكلمة وإدراكه العميق لوظيفة الشعر.
النصّ: تعاتبني والنبض منفطر
تعاتبني والنبض منفطر قالت تعاتبني والنبض منفطر قد هدني الشوق والكرى مني سرق فوق الغيم أرسمك أيقونة السحر وطيفًا يداعبني حد الغرق ... فلست كمن قال: إني أحبك فهل يفرق الجرح خيطًا رَتَق؟؟
مقامات التحليل: اللغة كحسّ داخلي
تحمل القصيدة نَفَسًا شفيفًا من الحنين، مكتوبًا بلغة شاعر لا يُغريه البهرج اللفظي، بل يتقن الانزياح عن المباشرة نحو الحافة الوجدانية للمعنى. يبدأ النص بصيغة تقريرية عتابية: "تعاتبني والنبض منفطر"، وهو ما يكشف منذ السطر الأول عن تناقض بين التماس والخذلان، بين الحضور والموت البطيء في العاطفة.
الشاعر يرسم علاقة عاطفية مركبة، تجمّعت في لحظة غياب، وارتدت ذاكرةً تلهب القلب بشظاياها. نقرأ صورة مثل: "فوق الغيم أرسمك أيقونة السحر" وهي استعارة كثيفة تجعل من المحبوبة رمزًا لا جسدًا، حضورًا فوقيًّا ممتنعًا عن التحقق، مرسومًا لا ملموسًا، مما يعكس حالة التوق الأبدي.
ثم تأتي صور مثل: "عودي كما الماء مزنًا واهطلي في دروبي، فشوقي إذا ما هطلت سبق" وهي صورة مائية أنثوية بامتياز، تربط بين الحبيبة والمطر والخلاص، وفيها توظيف لعناصر الطبيعة بوصفها مرآة للذات العاشقة.
الزمن والانكسار: حين يُروى الحب من جهة اليتيم
لا يقف النص عند رومانسية السرد، بل يتشظى بين مراحل اللقاء والفقد والشك والعتاب. نقرأ: "وبتنا يتيمين لم نستفق" ليُظهر النص اتكاءه على المعجم الوجودي. اليُتم هنا لا يُحيل على الحبيب الغائب فقط، بل على الإنسان الذي فقد مركز توازنه الداخلي.
ويصل الشاعر ذروته عندما يضع سؤالًا وجوديًّا بصيغة بلاغية حادة: "فهل يفرق الجرح خيطًا رتق؟" إنه سؤال كوني يضع الشك في جدوى الترميم، في معنى القول والحب والنية بعد أن يتمزق النسيج.
التقنيات الفنية والأسلوب
- اللغة: شاعرية عالية مشبعة بالمجاز والرمز دون تكلف. - الإيقاع: التفعيلة الحرة تعطي النص مرونة موسيقية، تتناسب مع اضطراب العاطفة وتدفق الشعور. - البنية: بناء تراكمي، يعتمد التكرار للإيحاء بالدوار العاطفي (النبض، الطيف، الغرق، الغياب).
ختامًا: قصيدة تكتبها التجربة لا القاموس
في "تعاتبني والنبض منفطر"، لا يكتفي الشاعر طاهر مشي بسرد لحظة عاطفية، بل يُحوّل العلاقة إلى مرآة لذاته الداخلية، مطوّعًا الحرف ليعبر عن الهشاشة الإنسانية بلغة فنية رصينة.
هي قصيدة ليست للقراءة العابرة، بل للنصوص التي تُقرأ أكثر من مرة، وفي كل مرة نكتشف طبقة جديدة من الألم، أو من الحنين، أو من صدق الانكسار. هكذا هو طاهر مشي، لا يُنشد الكلمات بل يسكنها، ولا يكتب الشعر بل يُصلّي به.
********** تعاتبني والنبض منفطر ااااااااااااا ااااااااااااا قالت تعاتبني والنبض منفطر قد هدني الشوق والكرى مني سرق فوق الغيم أرسمك أيقونة السحر وطيفا يداعبني حد الغرق قلت استفيقي وشقي عباءة نبضي اليتيم ودقي زوايا الفصول وعودي كما الماء مزنا واهطلي في دروبي فشوقي إذا ما هطلت سبق وجودي بليلي وكوني ردائي حد الشفق فإن غبت غبت وإن داعب النوم جفني تذكرت نجواي حين التقينا وبتنا سكارى ولم نفترق سلكنا دروبا قد اعتراها الرحيل وكم ردد الفقد فيها العويل وكم داعب الخصر ذاك العليل وبتنا يتيمين لم نستفق لعلك كنتِ تحبين ظلي وكنت تناجين في الطيف خلي وكنت كما البدر تذوين عني وتسبين نبضي حين شهق فلست كمن قال إني أحبك فهل يفرق الجرح خيطا رَتَق؟؟؟ ااااااااااااا ااااااااااااا طاهر مشي الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأربعاء 14-05-2025 08:05 مساء الزوار: 230 التعليقات: 0
|
|