|
|
||
|
ـ الشّعر .. " من العمودي إلى التّفعيلة والحرّ " ــ حسن بن عبدالله / تونس
الشّعر .. " من العمودي إلى التّفعيلة والحرّ " ــ حسن بن عبدالله / تونس
الشّعرُ هو لسانُ العرب الفصيح ـ تكلّموا به وخاضوا بينهم في المناسبات ، وفي المعارك ، وفي المدح والهجاء ـ تكلّموا به ولم يصلهم القرآن الكريم ــ وهو منبعُ ومعين اللغات كلّها ـ وهو السّابقُ في كتابته وحفظه في اللوح المحفوظ ــ كما نقرؤه اليوم في المصاحف ـ وفيه النّاسخُ والمنسوخ ـ ومنه أُلّفت المعاجمُ ومنه أخذت القواميس ـ لشرح الآيات والكلمات والمعاني ـ وأهمّها في نظري ـ لسان العرب ــ للعلاّمة التّونسيّ " ابن منظور " ـــ والتّحرير والتّنوير لعلاّمتنا التّونسي " محمد الطّاهر ابن عاشور " ــ ــ كما نعلم ـ السبق في تنظيم الشعر العمودي كان لشعراء الجاهلية الذين تسابقوا من آيات الله المبثوثة في الكون ـ كخرير المياه ـ وهبوب الرياح ، وزقزقة العصافير وهمس سكون الليل ـ ومن سنابك الخيل ـ ومن جلمود الصّخر الذي يهزّه السّيل من علي ــ وغيرها من الأصوات والإيقاعات ـ وهم أهل العكاضيات ، والمعلّقات ـ فقيل سبعا ، وقيل عشرا ، وأكثر ــ جاء الإسلام بنوره الوضاء عبر الرسالة النبوية المحمّدية ـ فانقطع الوصل مع ما قيل في الجاهلية العمياء ليستقرّ الشّعر جديدا منبثقا من القرآن الكريم الذي جاء مكرّما للشعر والشعراء ـ بتخصيص سورة كاملة ــ وهي سورة الشعراء ـ ومن بدايتها إلى ما قبل الآيات الأربع االأخيرة ـ أتت بسرد الأحداث التي شملت أديانا سابقو وأقواما سبقونا ــ لتنتهي عند قوله تعالى ــ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ ، أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ ، إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ " ــ ــ وللأسف ، يأتي سياق بعض الخطاب الدّيني في المحاريب ، وحتى على منبر رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ملتبسا ، ومحقّرا لقيمة وحقيقة الشعر والشعراء ـ " خاصّة في قالب الخطاب الدّيني المتطرّف ـ " فيقفون عند " ويلُ للمصلّين ؟؟ ـــ يقطعون بين الآية الأولى والثانية والثالثة ــ والآيات الأخيرة ــ وهي الآيات ـ الجازمة ــ في محكم التّنزيل " وفيها الاستثناء العجيب : ــ " إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ، وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ ، وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ " ــ وتحتوي على تحذير الظّالمين وإلى أيّ مصير سينقلبون ـــ ــ وأيضا ذكر الله الشعر والشعراء في ـ سورة " يس " ــ " وَمَا عَلَّمْنَٰهُ اُ۬لشِّعْرَ وَمَا يَنۢبَغِے لَهُ " ــ وفيها إحالة " الشّعر إلى العلم الكامل ــ وفيها إحالة أيضا انه ـ لاينبغي إلاّ لأناس معيّنين ــ اجتباهم لكي يكونوا " شعراء حقيقة " وهم واجبُ الوجود ـــ ومنهم انطلقت الفتوحات الإسلامية بألسنتهم الفصيحة أمثال ــ الصحابيّ الجليل حسّان بن ثابت " شاعر الرّسول " ـ وقد اعتمدوا البلاغة والإيجاز بالأحكام المستنبطة عن القرآن الكريم فلم يماطلوا في الشعر كما كان سائد في مقدمات الشعر الجاهلي ــ وجاء شعراء الدولة الأموية وشعراء الدولة العبّاسية ـ وخلال تلك الحقبة برز الإمام محمد إدريس الشّافعي ــ بمدوّنته الشعرية ـ الرائعة ـ التي اعتمد فيها على الشعر العمودي وفيها الكثير من الحكم والعبر ـ وما الشعر إلاّ رسالة وجود ــ ترك الشعر عباءة الشعر الجاهلي ومنظومة ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي ليذهبَ صهيلا بأسلوب جديد ومتجدّد بفضل من ــ تدبّروا الأمر في نفوسهم ومن خلال تجاربهم والانخراط في التجاوز والتجريب فكسّروا ــ بناء " نظام البيت ــ ودخلوا في بناء " نظام القصيد " ــ يعد شعر التفعيلة من أبرز مظاهر الشعر العربي الحديث الذي ظهرت ملامحه الأولى من خلال تجربتي الشاعرين نازك الملائكة ( 1923 م - 2007 م ) ، وبدر شاكر السياب ( 1926م - 1964م ) ، وقد عرفت الشاعرة نازك الملائكة شعر التفعيلة بقولها : ّ إنّه شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ، ويكون هذا التغيير وفق قاعدة عروضية تضبط إيقاعه ــ وطبعا يأتي دور غبطة الانسان في ذاته التّواقة للتغيير والتجديد ـ وطبعا أيضا تأثير البواعث الاجتماعية التي تتصل بطبيعة المجتمع الإنساني ورغبته في إحداث التغيير والتجديد ، وكان لها كبير الأثر في ظهور شعر التفعيلة ، لا سيّما أنّ الإنسان يميل بطبعه لاستحداث الحضارة وإحداث تغيير وتبديل في أنماط معيشته ، هذا بالإضافة إلى ما ينعكس على فكره وسلوكه من تغيير، وبما أنّ الشعر يعد انعكاسًا حيًا للواقع الإنساني فإنّه لا بدّ أن يصيبه شيء من هذا التغيير الذي لا يفارق الواقع الإنساني ـ ــ وطبعا ـ انخرط الشعراء التّونسيون ــ من الجنسين ــ في هذا الأمر فتحولت قصائدهم ـــــ وتنوعّت أساليبُ بنائها وازدهرت مضامينها وأقامت أفراحها فرقصت مع الوجود رقصاتها التي ــ تجاوبت مع الموسيقى والإيقاعات الجديدة ـ فكان شعر التدوير ، وشعر الانقلاب على المألوف والموروث ـ وخلصت التجربة مع الآجيال من الستّينات إلي السبعينات وصولا إلى جيل التسعينات الذي هم الآن وهنا بأسمائهم المعروفة ـ ومنهم من فكّر ودبّر كيف دبّر ــ للخروج أيضا من شعر التفعيلة ، والشعر الحرّ ــ ــ وأختم : أنا شخصيا جرّبتُ كتابة الشعر العمودي ـ متأثرا بتجربة " الشعر المنجي ، أو شعراء المناجم ـ وقد وجدتُ امامي عندما تحوّلت لمواصلة المرحلة الإعدادية ـ بالمعهد الإعدادي " عبد السلام الجرندي " الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأربعاء 14-05-2025 08:22 مساء الزوار: 356 التعليقات: 0
|
|