|
|
||
|
دراسة نقدية لقصيدة "وجهي في مرآة الغروب" للشاعرة روضة الجبالي...اعداد د. موسى الشيخاني
دراسة نقدية لقصيدة "وجهي في مرآة الغروب" للشاعرة روضة الجبالي...اعداد د. موسى الشيخاني
أوّلًا: قراءة في السيرة الذاتية: بين الحرف والموقف تمثّل الشاعرة روضة الجبالي نموذجًا للمرأة المثقفة، الملتزمة بقضايا الكلمة والتعليم والثقافة. فهي أستاذة ومربية وشاعرة وفاعلة ثقافية في أكثر من مجال، تنشط في المنتديات والمنصات العربية والدولية، وتجمع بين البعد التربوي والإبداعي، ما يضفي على نصوصها نكهة نادرة من النضج والمعرفة الحياتية العميقة. أدوارها المتعددة كسفيرة ثقافية، وقيادية في مؤسسات أدبية، ومكرَّمة من قبل الدولة والمؤسسات التربوية، تؤكّد أن تجربتها الشعرية ليست مجرد تعبير ذاتي، بل هي مرآة لموقف حضاري وإنساني وفكري.
ثانيًا: تحليل القصيدة: "وجهي في مرآة الغروب" 1. القصيدة بوصفها سيرة شعرية مضغوطة القصيدة تنتمي إلى شعر التأمل الوجودي، وتمثّل لحظة مكاشفة ذاتية عند بوابة العمر المتقدم. العنوان "وجهي في مرآة الغروب" يكشف مباشرة عن الفضاء الدلالي للنص: المرأة – العمر – الزمان – الغروب – الانعكاس الداخلي. نحن أمام نصّ هو بمثابة سيرة شعرية مُشفّرة، ترصد فيه الشاعرة تحوّلاتها النفسية والوجدانية عبر الزمن، باستخدام لغة تتراوح بين الرؤية الفلسفية والتجريب الشعري. 2. ثنائية الذات والظل: أنا/هي يفتتح النص بجملة "أنا... وهي..." مما يوحي بانقسام داخلي: بين الذات الحاضرة والذات المتأملة، بين "أنا" الشاعرة و"هي" التي تراقب سير الزمن كظلٍّ يتقاطع مع ظلّ. هذا الانقسام ليس مرضيًا، بل تأملي، يعكس الوعي العميق بتعدّد الهويات الداخلية عند الإنسان في مرحلة النضج، حيث الذات تصبح مراقِبة لنفسها، وفاعلة في فهم الزمن بدلًا من مقاومته. 3. تشريح الزمن: من العدو إلى المفهوم لا تتعامل الشاعرة مع الزمن كخصم، بل كمعنى. تقول: "تمدّ كفّيها، لا لِتُمسك الوقت، بل لِتفهمه." هنا تحوُّل جذري في علاقة الذات بالزمن: الزمن لا يُقاس، بل يُفهم. وهذا ما يجعل النص يسير في نسق فلسفي، يبتعد عن النواح على الشيخوخة، ويتجه نحو احتضانها وقراءتها. 4. اللغة المجازية: بين الحلم والانكسار تلجأ الجبالي إلى لغة مجازية شديدة الكثافة، حيث: - الزمن = وحش من دخان. - الذكريات = أوراق تسقط في حضن الخريف. - الجسد = خرائط من وجع. - الحياة = نكتة لا يفهمها أحد سواها. هذه المجازات تخلق تشبيكًا حسيًا بين الداخلي والخارجي، حيث تصبح المشاعر صورًا، وتتحول الصور إلى أدوات تأمل. وتبدو الجبالي متأثرة بأساليب الشعر الحديث التي تمزج بين اللغة الشعرية واللغة الفلسفية. 5. الرؤية الوجودية: لا خوف من النهاية القصيدة تؤسس لموقف وجودي بالغ الوعي: "الغد؟ لا تخافه... فهي من تعلّمت أن تحتضن السكاكين وتضحك." ليس في هذا المقطع مجرّد بطولة فردية، بل فهم شعري لفكرة الألم بوصفه شرطًا للوجود. هذه رؤية قريبة من الفلسفات الوجودية التي ترى في المعاناة طريقًا للوعي، وفي التأمل وسيلة للتجاوز. 6. الأنثى الحكيمة: الحكمة لا تنكسر الأنثى في هذه القصيدة ليست مجرد رمز للعمر أو الضعف، بل لحكمة لا تُنسى: "جالسةٌ كحكمةٍ منسية..." "هذه هي الحياة، مرآةٌ لروحٍ لا تنكسر..." المرأة هنا تمثل الأنوثة المقاومة، الهادئة، العميقة، المتصالحة مع الزمن، وقد تحولت من كائن شاعري إلى كائن فلسفي، يراهن على "البداية" حتى وهو يعرف "النهايات".
ثالثًا: تلاقي السيرة بالنص: من التجربة إلى الرمز القصيدة ليست منعزلة عن سيرة الجبالي؛ فكونها تربوية مثقفة وقائدة أدبية جعلها تحيا في قلب الواقع، وتتفاعل معه لا بوصفها شاهدة فحسب، بل كمكوِّنة له ومجددة فيه. وهكذا، تتحول المرأة الستينية في النص إلى رمز للمرأة المفكرة، للذات التي لم تُهزم رغم تشققات الزمن.
خاتمة: قصيدة بمعمار وجودي ولغة مجازية عميقة "وجهي في مرآة الغروب" ليست مجرد مرثية ذاتية، بل نصّ وجودي يُعيد تأطير العلاقة مع الزمن والذات والحياة. تختار الجبالي أن تكتب بهدوء المتأمل لا بانفعال الباكي، وتستعيض عن الانكسار بالابتسامة، وعن الخوف بالفضول، وعن النهايات بالبدايات. بهذا المعمار الشعري المحكم، واللغة المجازية الغنية، والرؤية المتصالحة مع الألم، تقدم روضة الجبالي واحدة من قصائد النضج الإنساني في الشعر العربي الحديث.
******
وجهي في مرآة الغروب
أنا... وهي... ظلٌّ يتقاطع مع ظلّ، امرأةٌ في الستين، تمسّد الزمن بأطراف أناملها، كمن يُروّض وحشًا من دخان.
تمدّ كفّيها، لا لِتُمسك الوقت، بل لِتفهمه. تغمس أصابعها في نهر الحلم، فتخرج باللاشيء... ذلك اللاشيء الذي يبني المعنى.
تحدّق في الغروب، كأنها تشمّ رائحةً كانت ذات مساء، وتضحك... كأن الحياة نكتة لا يفهمها أحدٌ سواها.
ابتسامةٌ تسرّبت من شقوق القلب، وسرٌّ غرق ولم يمت، وعينان تحملان الضباب كما يحمل الجفنُ دمعًا مؤجّلًا.
"مضى العمر..." لكن الصوت لا يرتجف، يهمس الزمن في أذنها: ما زلتِ هنا، وأنا، رغم عجزي، لا أقدر أن أُطفئكِ.
جالسةٌ كحكمةٍ منسية، والريح تعيد سؤالًا لم يُجِب أحدٌ عنه: هل كنتِ الأرض، أم خطوتُكِ هي التي جعلت التراب يزهر؟
الذكريات تسقط كأوراقٍ في حضن الخريف، لكن القلب... يا قلبها... ينبض كأنه عصفور لم تُعلّمه الأقفاص أن ييأس.
الغد؟ لا تخافه... فهي من تعلّمت أن تحتضن السكاكين وتضحك. الزمن يعدو، لكنها تمشي، وعينها في قلبه.
تبتسم، لا للفراغ، بل لتلك المسافة التي لا يعبرها سوى القلب. وجسدها... خرائط من وجع، تحملها الذاكرة كما يحمل النهرُ أغصانًا رفضت الغرق.
وتسأل: ماذا بعد؟ ليس خوفًا، بل فضول الفلاسفة، ولهفة الشعراء.
هذه هي الحياة، مرآةٌ لروحٍ لا تنكسر، تعرف النهايات، لكنها تُراهن دائمًا على البداية.
روضة الجبالي تونس
**********
السيرة الذاتية
المعلومات الشخصية
الاسم: روضة الجبالي الجنسية: تونسية المهنة: أستاذة مدارس مميّزة
النشاط الثقافي
شاعرة.
مديرة مجلات إلكترونية.
مشرفة على نوادٍ أدبية وثقافية.
منشطة نادي "تحدي القراءة العربي" والبطولة الوطنية للمطالعة.
المناصب الفخرية والمهنية
سفيرة الحرف والنوايا الطيبة.
سفيرة جمعية "نجم العربية الدولية" بفلسطين.
حائزة على لقب "المربي المبدع" في توظيف الأنشطة الثقافية.
مديرة مكتب تونس لموقع جريدة "لوبوان 24" الإلكترونية.
رئيسة تحرير مجلة "روضة الأدباء العرب".
مستشارة إعلامية وثقافية بمؤسسة "عرار العربية للإعلام".
عضوة في المهرجان الدولي لشعراء البحر الأبيض المتوسط – إسبانيا.
ناشطة في عدة منصات ثقافية، من بينها: الاتحاد العربي بهولندا، وهمسات أدبية، ومنتديات الشلال.
عضوة بالهيئة المديرة لمهرجان "السنابل الذهبية" بالكريب، ومسؤولة عن الإعلام والتكوين والنشاط الثقافي فيه.
التكريمات والجوائز
شهادات تقدير من الإطار التربوي، والمكتبة العمومية، والمندوبية الجهوية للتربية، تتويجًا بلقب "المربي المبدع" في التنشيط الثقافي.
تكريم ضمن فعاليات "شارع اقرأ 4 و5" بمعرض الكتاب الدولي، تقديرًا لنجاحها في تأسيس وإدارة نادي للمطالعة وتكريم روّاده.
شهادة تقدير من وزير التربية التونسي بمناسبة إحالتها على شرف المهنة.
*********** كلمة الأستاذة روضة الجبالي سعيدة بهذه القراءة النقدية التي أضاءت زوايا قصيدتي "وجهي في مرآة الغروب" بذائقة رفيعة وبصيرة تأملية. كل الامتنان للدكتور موسى الشيخاني، الذي لم يكتفِ بتفكيك النص، بل أعاد تشكيله بلغة تنصت لما يُقال وما يُكتم.
حين تُقرأ القصيدة بهذا العمق، تتحوّل من لحظة كتابة إلى لحظة وجود، من تأمل شخصي إلى خطاب إنساني يتقاطع فيه الشعر بالفلسفة، والأنوثة بالحكمة، والزمن بالمعنى.
لفتني إدراكه لتلك المسافة بين الألم والنضج، بين الانكسار والتجلّي، وكيف تتجسّد المرأة في النص كيانًا يتجاور فيه الجسد بالفكرة، والصمت بالبصيرة.
هذه القراءة لا تشبه التحليل الكلاسيكي، بل تحاور إبداعي بين ذاتين: كاتبة وناقد، سؤال وشغف، نصّ وروح. أشكره على هذه المقاربة التي منحتني أنا أيضًا فرصة لرؤية قصيدتي كما لم أرها من قبل. روضة الجبالي
****** كلمة الدكتور موسى الشيخاني والرد على الأستاذة الشاعرة روضة الجبالي "الأستاذة الشاعرة روضة الجبالي، أعرب عن بالغ امتناني لما تفضّلتم به من كلمات مشرقة وقراءة عميقة لمداخلتي النقدية. إن تفاعلكم النبيل مع القراءة يؤكد وعيكم الجمالي وصدق تجربتكم الشعرية، التي تنفتح على أسئلة الوجود والمعنى بروح تأملية نادرة. لقد كانت قصيدتكم "وجهي في مرآة الغروب" جديرة بهذا التوقّف، لما فيها من كثافة رمزية وثراء لغوي يستدعي الإصغاء والتأمل. وإنني أثمّن عاليًا هذا الحوار الإبداعي الذي تشكّل بيننا، حيث يصبح النقد امتدادًا للنص، لا انعكاسًا له فحسب. مع خالص التقدير، د. موسى الشيخاني" الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الخميس 15-05-2025 04:20 مساء الزوار: 178 التعليقات: 0
|
|