|
مهدي نصير صدرت هذه الرواية عام 2023 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع وتقع في 288 صفحة وهي الرواية الثالثة للمؤلف بعد روايتيه «الغربال» عام 2018 و «أيام الخبز» عام 2019، وسأقرؤها معكم عبر الملاحظات التالية: أولاً: جاءت اللغة في هذه الرواية لغةً فصيحةً وبسيطةً وسلسةً وجميلة، وكانت في مقاطع منها تقترب من لغة الشِّعر ووصف أحوالِ وأهوالِ المحبين والعشَّاق، كانت وكأنها في بعضَ مقاطعها فصلاً من «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي وخصوصاً الفصول التي حملت عنوان «بعضُ الحبِّ» والتي كانت خطاب حسَّان الشاعر لمحبوبته آلاء، نقرأ بعض ذلك في هذه الفقرة: «أتأملكِ وأنتِ نائمةٌ خلسةً، لم أكن لأحرمَ نفسي هذه اللذةَ، أحدِّقُ بكِ وأنتِ تُغطِّينَ وجهكِ بباطن ذراعكِ، أعاينُكِ من رأسكِ حتى أصابعِ قدميكِ، أتحسَّسُكِ بعيوني، أداعبُكِ، وأنتِ على بعدِ لمسةٍ واحدةٍ من أصابعي، أهاجر في خصلاتِ شَعرِكِ وسط الصحراءِ وحدي، دون قافلةٍ، دون بوصلةٍ، أنتِ جهتي، وأنتِ الطريق لا أحدٌ مثلي يستطيع تحديد ملامحك.. الخ» ص26، وتتكرر هذه اللغة الشعرية عبر تداعيات وأحلام حسَّان الشاعر وعبر الفصول التي تحمل عنوان «بعضُ الحب». ثانياً: شخصيات الرواية كانت شخصياتٍ واقعيةً: حسَّان الشاعر العاشق والراوي الرئيسي في هذه الرواية، آلاء طالبة الأدب العربي في الجامعة الأردنية، والدة حسَّان ووالده الذي توفي بالدمام في السعودية في احدى سفراته، عصام الشكيك وقصصه الملتبسة والمتناقضة وعائلته ومأساتها: والده الصحفي ووالدته وشقيقته دعاء وعمُّه وسائق التكسي الذي يتزوج دعاء عنوةً ويقتلها، شادي صديق حسَّان والابن اللقيط لدعاء ووو، كلُّها كانت شخصياتٍ قد نقابلها في حياتنا اليومية أو في ما نشاهده ونسمع عنه من قصصٍ اجتماعيةٍ كثيرةٍ ومتكررة. ثالثاً: الراوي في هذه الرواية هو حسَّان الشاعر العاشق وتولى الرواية عنه في بعض فصول الرواية عصام الشكيك عبر أوراقه التي سرَّبها لحسَّان والتي يروي بها قصة حياته وقصة عائلته وقصة انجرافه للإجرام؟ رابعاً: في هذه الرواية روايتان متداخلتان كانتا تتبادلان الفصول بانتظام، فالفصول التي تحمل عنوان « بعض الحب 1و2.. «كانت روايةَ عشق حسَّان لألاء والتي احتلت أكثر من نصف الرواية وكان يمتزج بها الواقع مع الحلم مع الشعر والمعاناة من أهوال هذا الحب الذي لم يكتمل وكان يمزج الراوي ثقافته في هذه التداعيات العشقية حيث ترد في تداعيات عشقه أعمالٌ ثقافيةٌ عالميةٌ وعربيةٌ:( كازنتزاكيس وزوربا وماركيز وحبه في زمن الكوليرا ودان براون ومريم المجدلية وكافكا وميليندا ومحمود درويش وريتا وجبران وكثير عزة وفرناندو بيسوا والشنفرى وغسان كنفاني ووو)، أما الرواية الثانية والتي حملت فصولها عنوان» إثم 1و2 وو «فهي رواية عصام الشكيك الذي يلتقيه حسَّان بالسجن ويتابع قصَّته التي كلٌّ يرويها بطريقته، فبعضهم يجعله قديساً ومظلوماً وبعضهم يجعله نصَّاباً ومجرماً، وتبدأ هذه الرواية الثانية في السجن حيث يلتقي حسَّان بعصام الشكيك المحكوم بالإعدام ويزوده عصام بأوراق كتبها لتروي قصَّته وقصَّة عائلته عبر مآسٍ إجتماعيةٍ وفقرٍ وتشرد وجريمةٍ دفعت به إلى الإجرام، ويتكرر في روايته هذه – اوراق ورواية عصام الشكيك - أن المجتمع هو المجرم الذي دفعه عبر ظلمه وقسوته لسلوك طريق الإجرام، حاول الشكيك تبريرها وعبر مقولات أنه مُسيَّرٌ وليس مخيَّراً وأن واقعه القاسي دفعه دفعاً للجريمة والانتقام، وهذا سؤالٌ ومبحثٌ تختلف فيه الأراء ويختلف فيه علماءُ النفس الفردي والجمعي وعلماء الاجتماع والفلاسفة. خامساً: قام جزءٌ من بناء الرواية على التشويق وخلق المفارقات الصادمة والشبيهة ببعض أفلام السينما المصرية، فقصة دعاء أخت عصام الشكيك وإنجابها لطفلها قبل موتها بدقائق وقيام خاله – عصام الشكيك - بتسميته « شادي « ووضعه كلقيط أمام أحد مساجد عمان، وشادي هذا عبر الرواية كان الصديق الأقرب لحسَّان الشاعر والراوي الرئيسي لهذه الرواية حيث لا تتبين مفارقات هذه العلاقة إلا في نهاية الرواية – على نمط تشويق القصص والحكايات في الدراما المصرية -، كذلك كان كثيرٌ من أحداث قصة الشكيك قائمة على دراما سينمائية: الضحك عليه وسرقة كليته في مصر من معلمه عزمي ودون دفع ثمنها المتفق عليه، اغتناؤه الفجائي من سرقة هوية مزورة لصاحب قطعة أرض في الشميساني وحصول الشكيك على مئة الف دينار بدأ منها صعوده المالي وثراءه الفاحش، ومن ثم توجهه للإنتقام من الذين خانوا والده وتسببوا بموته وبموت أخته دعاء ووالدته وتشرده بلا أيِّ سند؟ سادساً: السؤال الذي لا بدَّ من طرحه: هل كان الروائي موفقاً في إسناد والتعاطف مع رواية مجرم محكوم بالإعدام كعصام الشكيك؟ وهل كان موفقاً في البحث عن تبريراتٍ لها عبر صيغٍ جبريةٍ لجرائمه ونسبتها للمجتمع وجبريته الظالمة؟ وهل كان موفقاً بتبني – عبر رواية واعترافات الشكيك - نفي دور الارادة والاختيار والقدرة على مواجهة الظلم بالتصدي له لا بالالتحام به ؟، كان المؤلف على وعيٍ ودرايةٍ بهذه الإشكالية وأشار لها بشكلٍ واضح في الفقرة التالية من الرواية: «لو صحَّت هذه القصة سأكون كتبتُ عن الواقع من زاوية المجرم، وإن لم تصح فسأكون أنا ضحيَّة الشكيك الأخيرة، لستُ أنا وحدي، بل سيرافقني كثيرٌ ممن يقرؤون هذه الحكاية الآن، لكني أتساءلُ هل يوجد في هذه القصة عبرة؟ العبرة الوحيدة أن المجرمين بشرٌ مثلنا... والرسالة التي يمكن أن يبعثها مجرم، يدافع فيها عن نفسه ويبرِّر جرائمه هي أنه كان مجبراً على سلوك طريق الإجرام، وأنه دُفع دفعاً إلى هذا الدرب، صحيح أن هذا منطق المجرمين ليحسِّنوا صورتهم بعد ارتكاب جرائمهم، لكن مَن ينصف المظلومين؟» ص280. سابعاً: ختاماً يبرز السؤال الأهم في هيكل بناء الرواية: ما العلاقة بين الروايتين «بعضُ الحب وإثم؟» غيرُ الرابطين المصطنعين بينهما وهما صدفة التقاء حسان بعصام الشكيك في السجن وصدفة صداقة حسَّان بشادي الذي ينتمي ويتولَّد بإحدى القصص التي رواها الشكيك والتي تُعطي لشادي هويته كلقيطٍ شارك الشكيك بصناعة تشرده، وهو أيضاً ابن أخت الشكيك من زواجها القسري من سائق تاكسي – والذي يقوم الشكيك لاحقاً بقتله بالشاكوش - ؟، القارئ للرواية لا يجد رابطاً بين الروايتين سوى مصادفاتٍ صنعها الكاتب لربط هذه الرواية بتلك ؟ هناك دراما سينمائية في تركيب هاتين الروايتين ضمن هيكل روايةٍ واحدة، وكان ممكناً أن تكون كلُّ روايةٍ من هاتين الروايتين روايةً اجتماعيةً مستقلةً وبمناخين مختلفين دون الإخلال في بنائهما. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 30-05-2025 09:40 مساء
الزوار: 33 التعليقات: 0
|