|
د. نهال عبد الله غرايبة* رواية «فاطمة: حكاية البارود والسنابل» للكاتب الدكتور محمد عبد الكريم الزيود، صدرت عام 2021 عن دار الآن ناشرون في عمّان، وتتألف من 224 صفحة. تُعد الرواية عملاً أدبياً واقعياً تسجيلياً، يرصد حياة فاطمة، امرأة بدوية أردنية، وما مرت به من معاناة وفقدان خلال الفترة من منتصف الأربعينيات إلى الثمانينيات من القرن العشرين. كما تُعد الرواية عملاً أدبياً يتجاوز حدود السرد التقليدي ليصبح وثيقة ثقافية ووطنية تعكس تجربة الأردن وأبنائه. في الإطار التاريخي والاجتماعي: تدور الأحداث في قرى الزرقاء، خاصة ضمن إطار عشائر بني حسن، وتعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الأردن، من حياة التنقل والرعي إلى الزراعة والاستقرار، مع إبراز دور الجيش العربي في دمج الأردنيين في بناء الدولة. تتناول الرواية أحداثاً تاريخية مثل استشهاد الملك عبدالله الأول (1951)، نكسة 1967، وتداعيات النزوح والهجرة. وتعد شخصية فاطمة: رمزًا للمرأة الأردنية التي تكافح في وجه الفقر والخسارة. تجسد قصتها الفقد (مثل وفاة شقيقها حمدان في ليلة زفافه)، الانكسار، والأمل المتجدد. تُصور كشخصية تعكس هوية الوطن وتحمل قيم الكرم والصبر. أما الشخصيات الثانوية فتظهر شخصيات مثل حمدان (شقيق فاطمة)، سلمان الراعي، وعلي الشهيد، لتعزز السرد وتبرز قيم المجتمع الأردني، من إنسانية وإصرار الرمزية: العنوان يحمل دلالات عميقة؛ «البارود» يمثل التناقضات (الحرب والسلم، الموت والحياة)، بينما «السنابل» ترمز للخير والأمل. الرواية تسرد حكاية وطن من خلال حياة أفراده. أما الأسلوب واللغة فيتميز أسلوب الزيود بالبساطة والتشويق، مع لغة غنية بالموروث الشعبي والأساطير المحلية، مما يجعل الرواية عملاً أدبياً محلياً متجذراً في الثقافة الأردنية. وهناك من النقاد، مثل د. دلال عنبتاوي ود. خالد الميّاس، ممن أشادوا بقدرة الكاتب على تقمص الشخصيات ونقل تفاصيل الحياة الريفية بدقة، مع إبراز الهوية الوطنية. بالنسبة لأهمية الرواية تُعد الرواية وثيقة أدبية تسجل تاريخ الأردن وتحولاته الاجتماعية، وتحتفي بالهوية الوطنية الديناميكية التي تتطور مع الزمن. وقد استلهم الزيود فكرة الرواية من نص لهاشم غرايبة عن شخصية «آمنة»، لكنه ركز على فاطمة لتمثل آلاف النساء الأردنيات. وهذا ما أشار إليه محمد أبو رمان في مقالته («فاطمة ..» الهوية والوطن). رمزية العنوان يبرز عنوان الرواية كعنصر مركزي يحمل في طياته رمزية عميقة، حيث يتشابك فيه الإنساني بالتاريخي، والشاعري بالدرامي، ليصوغ رؤية فنية متكاملة. من خلال ثلاثية «فاطمة»، «البارود»، و»السنابل»، ينسج العنوان حكاية تجمع بين الصمود والصراع، الأمل والخسارة، ليعكس ليس فقط قصة امرأة، بل هوية شعب ووطن. هذا المقال النقدي يحلل رمزية العنوان، مستكشفاً كيف يشكل بوابة لفهم السرد ومرآة للهوية الأردنية. فاطمة: رمز المرأة والهوية الجمعية يبدأ العنوان بـ»فاطمة»، وهو اسم يحمل دلالات شعبية وعربية، يستحضر صورة المرأة الأردنية البدوية التي تجسد الصبر والقوة. فاطمة ليست مجرد بطلة فردية، بل رمز للمرأة التي تحمل على كتفيها وطأة الزمن والتحولات، فإن فاطمة هي «حكاية وطن»، إذ تجسد من خلال معاناتها – مثل فقدان شقيقها حمدان ومواجهة الفقر – تجربة الأردن في مرحلة تشكله الاجتماعي والسياسي من الأربعينيات إلى الثمانينيات. رمزية فاطمة تتجاوز الفردية لتصبح أيقونة للهوية الوطنية، حيث يرى القارئ فيها الأم، الأخت، أو الجارة، مما يعزز الارتباط العاطفي بالنص. إن اختيار اسم «فاطمة» ليس اعتباطياً، بل يحمل طابعاً ثقافياً متجذراً في المجتمع الأردني. فهو اسم مألوف يحمل دلالات الطيبة والصمود، مما يجعل البطلة ممثلة لآلاف النساء اللواتي شكلن العمود الفقري للمجتمع الريفي. هذه الرمزية تجعل فاطمة مركز العنوان، حيث تدور حولها الثنائية الدرامية للبارود والسنابل. البارود: رمز الصراع والقوة يأتي «البارود» كعنصر ثانٍ في العنوان، حاملاً دلالات الصراع والدمار، ولكنه أيضاً يرمز إلى القوة والدفاع عن النفس. في سياق الرواية، يعكس البارود التحديات التي واجهها المجتمع الأردني، سواء في الأحداث التاريخية كالنكسة (1967) أو دور الجيش العربي في بناء الدولة. على المستوى الفردي، يمثل البارود اللحظات المأساوية في حياة فاطمة، كوفاة حمدان في ليلة زفافه، وهي لحظة تحمل طابع الانفجار العاطفي والاجتماعي (الزيود، 2021، ص 45). البارود، كمادة سريعة الاشتعال، يعبر أيضاً عن الطباع البدوية الحماسية التي تظهر في شخصيات ثانوية مثل سلمان الراعي أو علي الشهيد. رمزية البارود تمتد لتشمل التناقضات الكامنة في الحياة البدوية: الحرب والسلم، الموت والحياة. فهو ليس فقط أداة للصراع، بل رمز للدفاع عن الكرامة والأرض. الناقد د. خالد الميّاس يرى أن البارود في الرواية يعكس «الروح القتالية التي شكلت جزءاً من الهوية الأردنية»، هذه الرمزية تضفي على العنوان طابعاً درامياً، موحية بأن الحكاية ليست هادئة، بل مشحونة بلحظات صدام وتحول. السنابل: رمز الحياة والتجدد في مقابل البارود، تأتي «السنابل» كرمز للحياة، الخصوبة، والأمل. في الثقافة الأردنية الزراعية، السنابل هي ثمرة الأرض ومصدر الرزق، وتعكس القدرة على النماء رغم القسوة. في الرواية، ترتبط السنابل بالتحول من حياة التنقل البدوية إلى الاستقرار الزراعي، وهو تحول تاريخي شهده الأردن خلال القرن العشرين. فاطمة نفسها تُوصف بأنها «كالسنابل التي تنحني تحت وطأة الريح، لكنها لا تنكسر» (الزيود، 2021، ص 45)، مما يجعلها رمزاً للأمل المتجدد رغم الخسارات. السنابل، كما أشار د. الميّاس، تمثل «الخير الذي ينبت من رحم المعاناة». هذه الرمزية تضفي على العنوان بعداً شعرياً يوازن بين الدمار الذي يمثله البارود والحياة التي تجسدها السنابل. الناقدة د. دلال عنبتاوي تلخص هذا التوازن بقولها إن العنوان يجسد «الهوية الأردنية التي تقاوم بالبارود وتنمو بالسنابل» ، إذن السنابل ليست مجرد رمز زراعي، بل تعبير عن استمرارية الحياة وتجددها في وجه التحديات. حكاية: السرد الشعبي والهوية الجمعية كلمة «حكاية» في العنوان تضفي طابعاً شعبياً وشفوياً، مستحضرة تقاليد الرواية البدوية حول النار. إنها تشير إلى أن قصة فاطمة ليست مجرد رواية فردية، بل حكاية جمعية تعكس تجربة شعب. هذا الاختيار يعزز البعد التسجيلي للرواية، التي تستلهم من شخصيات حقيقية (كما أشار الزيود إلى إلهامه بنص هاشم غرايبة) لكنها تُصاغ بأسلوب أدبي. كلمة «حكاية» تجعل النص ملكاً للجميع، بعيداً عن النخبوية، وتدعو القارئ للتفاعل معه كجزء من تراثه الثقافي. التكامل الرمزي: ثنائية الحياة والموت إن أبرز ما يميز رمزية العنوان هو التكامل بين البارود والسنابل، اللذين يمثلان ثنائية متناقضة ظاهرياً – الدمار والنماء – لكنهما يكملان بعضهما في سياق الرواية. البارود يعبر عن لحظات العنف والخسارة، بينما السنابل تمثل القدرة على التجدد. هذا التوازن يعكس فلسفة الحياة البدوية التي تجمع بين القوة والصبر، ويترجم الهوية الأردنية التي شكلتها الصراعات والإنجازات. كما أن العنوان يثير فضول القارئ من خلال هذا التناقض، داعياً إياه لاستكشاف كيف يمكن لامرأة مثل فاطمة أن تجمع بين عالمي البارود والسنابل. إن عنوان «فاطمة: حكاية البارود والسنابل» ليس مجرد وصف للرواية، بل مرآة تعكس جوهرها الفني والفكري. فاطمة ترمز للمرأة والوطن، والبارود يجسد الصراع والقوة، والسنابل تعبر عن الحياة والأمل، معاً، تشكل هذه العناصر بوابة لفهم السرد كحكاية إنسانية ووطنية، تجمع بين الموت والحياة، الخسارة والتجدد. في سياقه الثقافي، يتجذر العنوان في التراث الأردني، حيث البارود والسنابل جزء من الحياة اليومية، مما يجعله ليس فقط مدخلاً للرواية، بل رمزاً للهوية الديناميكية التي تحتفي بها. إن هذا العنوان، بتوازنه بين الدرامي والشاعري، يؤكد مكانة الرواية كعمل أدبي يستحق الدراسة والتأمل. * أكاديمية وباحثة أردنية/ أستاذ مساعد/ قسم اللغة العربية وآدابها/ الجامعة الإسلامية بمينيسوتا/ المركز الرئيسي الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 17-05-2025 12:23 صباحا
الزوار: 21 التعليقات: 0
|