انتصار عباس يعتبر العنوان هو العتبة الأولى للعمل الأدبي ومدخل الرواية، وجاء عنوان رواية «مهيرة» للدكتور عمر عبد العزيز، والصادرة عن دار أوراق للنشر والتوزيع 2024، محملاً بدلالات متعددة ارتبطت بالمعاني الثقافية واللغوية، منها الجمال والقوة. يشير اسم «مهيرة» في بعض الثقافات إلى الفتاة الجميلة والقوية، وقد أطلق على بطلة الرواية هذا الاسم لأنها، كما يصفها الأديب «د. عبد العزيز»: «مهرة خلاسيّة قاتلة»، ويُقال أيضًا إن هذا اللقب أطلقه عشاقها المفتنون بها.يمثل الاسم تميز الشخصية وتفردها، إذ يُعتبر رمزًا للتراث والهوية الثقافية، واختار الكاتب هذا الاسم دلالةً على أهمية الهوية الثقافية والجذور في حياة الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، يعكس الاسم الدور المركزي لمهيرة في السرد، حيث تعد محور الرواية، كما تتمتع شخصية مريوم أيضًا بأهمية كبيرة. تحكي الرواية قصة فتاة عرفها أهل الشارقة في النصف الأول من القرن العشرين، تميزت بقامتها الممشوقة ولونها الخلاسي الجميل، مما جعلها مختلفة عن البحراويات الاخريات. كان عبورها اليومي من درب الحارة الممتد من البحر إلى البحر يشبه مهرجانًا احتفاليًا تنثر فيه الروائح الزكية الخارجة من جسدها الخيزراني الممشوق المتقد بالأنوثة والجمال. يقول الكاتب في وصف مهيرة وعبورها اليومي، وقد كانت تعشق القطط والكلاب، وكانوا يحبونها أيضًا، حتى الفراشات وكل ما في الطبيعة: «كانت المشهدية البصرية الباذخة احتفالًا لا يقتصر في حضوره على مهيرة الفاتنة ومرافقيها من طيور وفراشات وقطط، بل تشمل أيضًا الأسماك البرمائية السابحة في أثير المكان.» وهذا يدل على التناغم بين مهيرة وموجودات الطبيعة، والتوحد فيما بينها. حيث توجد رمزية عميقة تدل على عمق الرؤى لدى الكاتب في إعطاء الشخصية ثيمة التوحد مع الطبيعة، والحس الإنساني العميق الذي تميزت به الرواية من خلال شخصية مهيرة، التي كانت مخطوفة بحبها الغامض لفتى أحلامها المتواري في بحار الغيوب وزمن السديم الأقصى للمكان والزمان، وفيما يخص شخصية مريوم أيضًا. تدور أحداث الرواية في إطار زمني ومكاني يتسم بالتنوع، مما يسمح بتناول مواضيع مثل الهوية، الحب، والتحديات التي تواجه الفرد في المجتمع. فرواية «مهيرة» هي تتمة ثلاثية (للسير الغيرية) التي بدأها الكاتب برواية مريوم عام 2015، ثم أكملها برواية «الشيخ فرح ود تكتوك – حلال المشبوك» عام 2018، ثم رواية «مهيرة» عام 2024. عاشت شخصية «مريوم» في ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت فتاة مجنونة تعيش في حارة النوارس والأسماك السابحة في الرطوبة الجوية المنتشرة في صيف دبي، ثم ظهرت مهيرة وسكنت الشارقة. وقد أعطاهما الكاتب نفس الصفات الجمالية والشخصية. يقول السارد العليم: «يقف عند الجمال الخلاسي والروح المتوثبة لاكتشاف ما وراء الآكام والهضاب، والعلاقة الحميمة بكائنات الأرض والسماء، والتخلي الإجرائي عن أسباب الدنيا الفانية.» تتميز شخصيات د. عبد العزيز بالتعقيد والعمق. تعتبر مسألة الهوية من القضايا المركزية في الرواية، حيث تسعى مهيرة لفهم مكانتها في العالم المحيط بها. وهناك صراع داخلي يعكس الصراع بين الرغبات الشخصية والتوقعات الاجتماعية. تميزت الرواية باللغة المفهومة والواضحة والسلاسة في السرد، حيث استخدم الكاتب تقنيات السرد المتنوعة، مما أضاف عمقًا للأحداث. بالإضافة إلى استخدامه تقنية تعدد وجهات النظر، مما أعطى صورة واضحة عن الشخصيات وحياتهم وتفاعلاتهم. خلاصة: تُعتبر رواية «مهيرة» نصًا أدبيًا مفتوحًا يجسد مجموعة من القضايا الاجتماعية والنفسية من خلال شخصية «مهيرة». وقد أبرز الكاتب التحديات والمعاناة التي يواجهها الفرد في سعيه لتحقيق ذاته. تميزت الرواية بطابعها الواقعي والرمزي، مما جعلها عملاً أدبيًا له جمالياته ورؤاه الخاصة، وعوالمه التي تفردت في معطياتها وطرق عيش شخصياتها. استطاع الكاتب تصوير المشاعر الداخلية للشخصيات بشكل منطقي وجاذب. تضمنت الرواية رمزية عميقة ومعقدة، أضافت للنص الروائي جمالية ودلالات ذات أبعاد إنسانية ملهمة. من خلال شخصية «مهيرة»، تم تقديم معاني متعددة مثل القوة، التفرد، الجمال، والبحث عن الهوية في ظل تغييرات المجتمع وتحدياته.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 09-05-2025 10:54 مساء
الزوار: 33 التعليقات: 0