|
|
||
|
قراءة نقدية فلسفية لقصيدة "كوني" للشاعرة المغربية مليكة طالب ..إعداد: د.موسى الشيخاني
قراءة نقدية فلسفية لقصيدة "كوني" للشاعرة المغربية مليكة طالب ..إعداد: د.موسى الشيخاني
مدخل فلسفي إلى القصيدة والسيرة:
في قصيدتها "كوني"، تقدّم الشاعرة المغربية مليكة طالب خطابًا شعريًا يتجاوز البنية التقليدية للقصيدة النسوية، ليرتقي إلى بعد وجودي فلسفي يعيد صياغة مفهوم الأنوثة كقيمة كونية لا كصفة بيولوجية أو اجتماعية. وهي بذلك تضع المرأة في مقام "الوجود الفاعل"، لا التابع، عبر سلسلة من الصور الشعرية المشحونة بالدلالات الرمزية والتمثلات المجازية.
البنية المفهومية للقصيدة:
القصيدة تُبنى على تكرار إنشائي للأمر "كوني"، مما يمنحها طاقة خطابية توجيهية، وكأن الشاعرة تؤسس "مانفيستو أنثويًا وجوديًا" تدعو فيه المرأة للتحول من كائن ينتظر التقييم أو الإنصاف، إلى كيان كاشف للنور، باعث للحياة، ومنقذ للكينونة من سباتها الرمادي.
"كوني امرأة تحمل كل سلال النور"
إنها لا تقول: "كوني مثل النور"، بل "كوني حاملة لسلال النور"، لتُظهر فعل الإشراق والتنوير لا كحالة ذاتية، بل كدور وجودي يحمل أثرًا جماعيًا؛ فالمرأة هنا هي الوسيط بين العتمة والانبعاث.
استعارات تتجاوز الظاهر:
"امرأة يهتز النخل لرؤيتها يتساقط رطبًا حين تمر"
تستدعي الشاعرة هنا المخيال القرآني المرتبط بمريم العذراء، عندما هزت النخلة فتساقط الرطب، لكنها لا تستنسخ المعجزة، بل تُسقطها على الحضور الأنثوي في العالم، مما يحوّل المرأة من كائن يُعاني إلى كائن يُدهش. فالمرأة عند مليكة طالب لا تحتاج إلى "معجزات"، بل هي بذاتها المعجزة.
من المرأة المتأملة إلى المرأة الفاعلة:
تنتقل القصيدة تدريجيًا من توصيف المرأة بصيغة الاندهاش إلى رسم ملامح المرأة المقاومة:
"كسرت كل القيود كوني امرأة كالظل الهامس في ليل الأقمار السوداء"
إنها دعوة لأن تكون المرأة حضورًا ناعمًا لكنه نافذ، ظلاً لا يُرى لكن يُشعر به، في زمن "الأقمار السوداء"، حيث الليل مضاعف، والضوء خافت. فالشاعرة تؤمن أن الأنوثة القوية ليست صاخبة بالضرورة، بل عميقة وهادئة وقادرة على التسلل إلى جوهر الأشياء.
أبعاد فلسفية وتأويلية:
- أنطولوجيًا: المرأة في القصيدة كائن "يعيد خلق العالم"، تمامًا كما يعيد الفيلسوف التفكير فيه. إنها ليست تابعًا زمنيًا بل مُعيدَة للصيرورة. - إبستمولوجيًا: الشاعرة تطرح رؤية معرفية للمرأة، إذ إن من تمتلك "سلال النور" هي من تمتلك الحقيقة؛ أي أن المعرفة هنا أنثوية بامتياز. - وجوديًا: مليكة طالب ترفض المأساة التي تُلصق بالمرأة، وتستبدلها بـ"نشيد البطولة"، فالمرأة لا تغرق في النسيان، ولا تستسلم للعتمة، بل تقاوم وتخلق وتحضر بإصرار ناعم.
السيرة الذاتية للشاعرة في ضوء النص:
انطلاقًا من ديوانيها "حديث الوجدان" و "عبق الجلنار", تبدو مليكة طالب شاعرة وجدانية بعمق إنساني وفلسفي. وقد ساهم انخراطها في قضايا المرأة، وتفاعلها مع بيئات المعرفة (كالمكتبة البلدية بفاس) في تشكيل أفقها الثقافي، مما ينعكس في نبرة قصائدها التي تمزج بين الجرأة الشعورية والحكمة المعرفية.
إنها تنتمي إلى تيار الشعر النسوي الذي لا يكتفي بوصف المعاناة، بل يرفضها من حيث المبدأ، ويؤسس لخطاب أنثوي حر، مستقل، يتفاعل مع التراث دون أن يستنسخه، ويقاوم الذكورة القمعية دون عداء مباشر، بل عبر الحضور الأجمل والأذكى.
خاتمة:
قصيدة "كوني" هي أكثر من نص وجداني، إنها بيان فلسفي شعري يوجّه المرأة نحو وعيها العميق بذاتها كقوة كونية. وبهذا المعنى، تُعتبر مليكة طالب من الأصوات الشعرية المغربية التي تستحق التقدير، لا لأنها تكتب عن المرأة، بل لأنها تعيد خلق صورة المرأة بكامل إشراقها الإنساني والفلسفي.
د. موسى الشيخاني الرئيس التنفيذي لمؤسسة عرار العربية للإعلام رئيس مجلس إدارة مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية
#النقد #عرار
كوني امرأة تحمل كل سلال النور امرأة يهتز النخل لرؤيتها يتساقط رطبا حين تمر امرأة تسبح بين نجوم الكون تبحر في ليل الشوق بلا ربان امرأة لا تغرق في النسيان امرأة مثل العيد كسرت كل القيود كوني امرأة كالظل الهامس في ليل الاقمار السوداء امرأة لا تعرف معنى اليأس لا تسكن وسط العتمة
الشاعرة المغربية مليكة طالب الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 15-07-2025 08:29 مساء الزوار: 87 التعليقات: 0
|
|