|
|
||
|
الشيخاني : قراءة نقدية لقصيدة "الأخضر الدامي" للشاعرة سارة خيربك وتحليل سيرتها الذاتية
قراءة نقدية لقصيدة "الأخضر الدامي" للشاعرة سارة فخري خيربك وتحليل سيرتها الذاتية... إعداد: الدكتور موسى الشيخاني
أولاً: السيرة الذاتية والأدبية للشاعرة سارة فخري خيربك سارة فخري خيربك، شاعرة سورية تنتمي إلى الجيل الشعري الذي يُزاوج بين الحسّ الوطني العميق والهمّ الإنساني الشامل، ويتخذ من الشعر منبرًا للدفاع عن الجمال والحق والكرامة. تنطلق في كتاباتها من بيئة ثقافية وحضارية ثرية، حيث تبدو آثار الانتماء للأرض والهوية واضحة في كل نصوصها. تُعرف خيربك بقدرتها على التعبير عن المأساة السورية بلغة شعرية حارة، وبانخراطها العاطفي العميق مع تفاصيل المكان والزمان، كما أن في شعرها نبرة وجدانية صادقة تفيض بالشجن والحزن والرفض لكل ما يطال الطبيعة والإنسان من عبث وتخريب.
ثانيًا: قراءة نقدية لقصيدة "الأخضر الدامي" عنوان القصيدة ودلالته جاء العنوان مركبًا دلاليًا مكثفًا، إذ يحمل "الأخضر" دلالة الطبيعة والحياة، بينما جاء "الدامي" ليصدم المتلقي بارتباط الحياة بالموت، والجمال بالألم. هذا التناقض يفتح بوابة القصيدة على حقل واسع من الرموز والتأويلات، حيث الطبيعة تتحول إلى ضحية، ويغدو الأخضر لونًا للدم لا للنماء. 1. الحقول الدلالية والصور الشعرية تُبنى القصيدة على ثنائية (الطبيعة × الدمار)، (الجمال × القبح)، (الحنين × الخسارة). وتبدأ الشاعرة بصرخة ألم شعري: يا عين جودي وهذا الأخضر الدامي يسري بدمعي وآهاتي وأحزاني
هنا، يتجلى توحد الذات الشاعرة مع الطبيعة، فاحتراق الغابات يُترجم مباشرة إلى نزيف داخلي في وجدانها. الحقول الدلالية التي تستحضرها الشاعرة تتوزع بين: - الدمار: نار، الحرائق، لظى، فقدان، الحتف. - الجمال المفقود: الأخضر، الغابات، الأوراق، الأغصان، بنَيسان، الرمان، الخرنوب. 2. الموسيقى الداخلية والتشكيل الإيقاعي اختارت الشاعرة البحر الوافر بإيقاعه الهادئ النابض، ليعكس التوتر الداخلي بين الحسرة والنشيج. وهناك تكرار هادف للفظ "نار" و"الحزن" و"الجمال" و"الغابات"، مما يعزز الإيقاع النفسي للقصيدة ويزيد من وقعها الدرامي. 3. البعد الرمزي والوطني الغابة ليست مجرد مشهد طبيعي محترق، بل رمز للأرض، للوطن، للطفولة، للبراءة، لكل ما كان يمنح الحياة طعمها ودفئها. وحين تقول: ما طاب نوم على المأساة يا وطني أما اكتفينا بأوجاع وفقدان
فإنها تشير إلى أزمة ضمير جمعية، وإلى تراكم الألم في الذاكرة الوطنية، مطالبة بوقف النزيف، سواء كان مصدره العدو أو الخيانة الداخلية. 4. الموقف الأخلاقي والدعوة إلى العودة للثوابت القصيدة لا تكتفي بالرثاء، بل تنتهي بدعوة صريحة للعودة إلى الدين والأخلاق: ألا نعود لدين الحق يردعنا وقد نسينا تعاليمًا بإيمان
وهي رؤية إصلاحية ذات بعد تربوي وروحي، تدعو إلى إعادة بناء المجتمع على أساس من القيم والعدالة والإيمان.
ثالثًا: التقييم العام لأسلوب الشاعرة - اللغة: سلسة، واضحة، مشحونة بعاطفة صادقة، تميل إلى البوح أكثر من التجريب. - الصور: واقعية رمزية، متخيلة من بيئة مألوفة لكنها مؤلمة. - الرسالة: إنسانية وطنية، تدين التخريب وتدعو إلى النهوض الأخلاقي.
خاتمة قصيدة "الأخضر الدامي" تمثل نموذجًا راقيًا لما يُعرف بـ"الشعر المقاوم للجمال المُهدَر"، فهي قصيدة وجع وضمير، تنزف كما تنزف الأشجار المحترقة، وتصرخ في وجه الصمت. تمتاز الشاعرة سارة فخري خيربك بقدرتها على إيصال صوت الحريق الداخلي والخارجي في آن، وتمنح الطبيعة صوتًا ليحاكم الخراب، وتفتح نافذة أمل عبر استنهاض الضمير الديني والإنساني.
نحن أمام تجربة شعرية تستحق القراءة والتأمل، لما تحمله من صدق وموقف، ولما تقدّمه من شعر يجمع بين الفن والواجب.
إعداد: الدكتور موسى الشيخاني ناقد وشاعر وباحث في الأدب العربي المعاصر
قصيدة الشاعرة: ( الأخضر الدامي )
ياعين جودي وهذا الأخضر الدامي يسري بدمعي وآهاتي وأحزاني
صوتُ الحرائقِ صارَ اللحنَ في ألمي نار تسعِّر أحشائي وشرياني
نار لظاها على الأيام ما خمدت لاكت جمالاً بأوراق وأفنان
يالوعةَ الحزن دارت في مراقدنا مات الجمال وأزهار بنَيسان
هذي الفِرِنْلُق غاباتٌ ونعشقها وكم لهونا بأفياء وأغصان
وكم لعبنا نهارات بغرتها كم داعبتنا بألطاف وتحنان
ما طاب نوم على المأساة يا وطني أما اكتفيننا بأوجاع وفقدان
غاباتنا الخضر باتت محض محرقة والنار تأكل قدّ الشوح و البان
لهفي على أرضنا حُسْنٌ يفارقها يا ساحل النور كن حتفا على الجاني
تبّت يداكَ وخابَ الفعل يا أشراً اما حزنت لخرنوب ورمان
قد سافر الغلُّ حتى بات مقتلنا كأننا الحتف في أجفان عدوانِ
ألا نعود لدين الحق يردعنا وقد نسينا تعاليماً بإيمان
ألا انتصار إلى الأخلاق يا وطني ألا انتصار على شر لإنسان
(ساره فخري خيربك ) الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الإثنين 14-07-2025 08:18 مساء الزوار: 36 التعليقات: 0
|
|