|
|
||
|
"الربيع الخالد في قصيدة سناء الحافي: قراءة نقدية معمقة في أبعاد الحب والذاكرة"
قراءة نقدية لقصيدة "ربيع هواك الذي أذكر" للشاعرة المغربية سناء الحافي اعداد د.موسى الشيخاني
القصيدة "ربيع هواك الذي أذكر" للشاعرة المغربية سناء الحافي تُعد نموذجًا شعريًا غنيًا بالوجدانيات العاطفية والصور الشفافة التي تنسج علاقة الإنسان بالحب والذكرى. إنها قصيدة تتوسل الجمال اللغوي والتصويري لتعبّر عن حالة عشق متأججة، لكنها لا تقع في فخ الابتذال، بل تسير واثقة بخطى شعرية ناضجة، تجمع بين صدق التجربة ورهافة الأسلوب.
فيما يلي قراءة نقدية تحليلية معمقة للقصيدة:
أولًا: البنية الموضوعية والوجدانية القصيدة تتناول الحب كذاكرة حيّة، وكتجربة وجودية تؤسس للذات الشعريّة. الحب هنا ليس مجرد عاطفة وقتية، بل هو "ربيع" دائم، خصب، متجدد، يؤجج الحنين ويضيء القلب. يبدأ النص بشحنة شعورية عالية: "ربيع هواك الذي أذكر.. مواسم قلبي بها يزخر" منذ البداية، تُؤسس الشاعرة استعارة مركزية: الحب كـ"ربيع"، بكل ما يحمله من دلالات التجدد، الحياة، الإزهار. وهذا الربيع لا يُستدعى كحدث آني، بل كذكرى متأصلة، مما يجعل القصيدة تمزج بين الزمن الماضي والحاضر، بين الذكرى والتجلي.
ثانيًا: الصور الشعرية والتخييل تمتاز القصيدة بثراء الصورة الشعرية ورهافة التخيل. فالعاطفة لا تُقال مباشرة بل تُجسَّد عبر تشبيهات واستعارات متراكبة: "فتهتزّ روحي اهتزاز الورود و عذب الندى فوقها يقطر" هنا نشهد نوعًا من التماهي بين الطبيعة والذات؛ الروح تهتز كما تهتز الورود، في تجلٍ لصورة رومانسية مشبعة بالحسّ المرهف، والماء (الندى) يرمز للارتواء الروحي والعاطفي. في مقطع آخر، تظهر جدلية البوح والكتمان: "و عيني تذيع الهيام الحبيس .. فأزجرها، و هي لا تزجر !" فيه تصوير داخلي للصراع بين رغبة الإفصاح وقيد الحياء أو التردد، مما يُثري البعد السيكولوجي للنص، ويمنحه عمقًا إنسانيًا.
ثالثًا: اللغة والإيقاع تختار سناء الحافي ألفاظًا ناعمة، حسيّة، ذات وقع رومانسي: ("الندى"، "الورود"، "الهُيام"، "الحنين"، "الروضة"). وهي لغة مألوفة في معجم الحب، لكنها تُستخدم هنا بتركيب نحوي مرن، وإيقاع داخلي متناغم. القصيدة تتبع نمط الشطرين (العمودي) ولكن بإيقاع مرن غير مقيَّد على نحو صارم، مما يمنح النص رشاقة موسيقية. كما أن استخدام التكرار ("أحبك" ثلاث مرات)، يوظف كأداة إيقاعية وانفعالية تعزز التوكيد العاطفي.
رابعًا: البنية النفسية والعاطفية القصيدة تعكس نضجًا وجدانيًا؛ فالحب فيها ليس نزقًا عابرًا، بل هو إيمان، بلغة صوفية: "لئن كفرت فيك كل الأنام فإنّي بدينك .. لا أكفر ..!" هنا تتحول العلاقة العاطفية إلى عقيدة، مما يُضفي عليها سموًا روحانيًا. وتستحضر هذه الصيغة مفردات التصوف: الحب كـ"دين"، والحبيب كـ"قبلة روحية". في هذا السياق، يتداخل الذاتي بالعالمي، والعاطفي بالوجودي.
خامسًا: البناء الفني والنهاية القصيدة تسير في خط بياني يبدأ بالذكرى، يمر بالحوار الداخلي، ثم ينتهي باعتراف صوفي عميق: "فيا حب ..يا روضة الذكريات التي لا تشوه و لا تقفر" "لئن كفرت فيك كل الأنام فإنّي بدينك .. لا أكفر ..!" النهاية ذات طبيعة تأملية، لكنها مشبعة بالإصرار والوفاء، مما يعزز استمرارية الحب كقيمة لا تزول، لا تعبث بها السنون أو تقلبات البشر.
خلاصة نقدية سناء الحافي تكتب هنا نصًا عاطفيًا يمتاز بـ: - تماسك شعوري من أول القصيدة حتى آخرها. - صور شاعرية أصيلة وغير مبتذلة. - لغة عذبة تقف بين الفصاحة والدفء الوجداني. - رؤية فلسفية للحب تتجاوز السطح العاطفي إلى البعد الإيماني الوجودي. إنها قصيدة تُؤسس لحب نقي، خالد، مستقرّ في الذكرى، لكنه نابض في الحاضر، وتحمل في طياتها بصمة أنثوية صادقة تقف على حافة الشغف والسكينة معًا.
******* القصيدة:
ربيع هواك الذي أذكر.. مواسم قلبي بها يزخر
ربيع يؤجج في الحنين و يضرم شوقي فلا يفتر !
و يمشي على خاطري المستنير بأضوائه، ظله الأخضر
فأبصر فيه نعيم الحياة.. و ألمس أضعاف ما أبصر
ربيع تجدده الذكريات و يسري به نفحها المسكر !
فتهتزّ روحي اهتزاز الورود و عذب الندى فوقها يقطر
و أذكر ، ما أجمل الذكريات تباريح كانت بنا تعبر
و أيام هجر ، و ساعات وصل و ما كنت أبدي، و ما أضمر ..
و اوقاتنا الخاويات التي تناهز ساعاتها الأعصر !
و تلك الليالي ، و قلبك انت يسر اليّ و لا يجهر ..
و عيني تذيع الهيام الحبيس .. فأزجرها، و هي لا تزجر !
أحبك، ليست سوى لفظة بأسمى معاني الهوى تزخر
أحبك .. يا أنت..يا نعمة سواها ببالي لا يخطر
أحبك يا أخلص المخلصين متى يقبل الدهر .. أم يدبر !
لأنك واحة قلبي الغريب و حقل صباباته الاخضر
لأنك من مهجتي قطعة.. و شطر من الروح لا يشطر
فيا حب ..يا روضة الذكريات التي لا تشوه و لا تقفر
لئن كفرت فيك كل الأنام فإنّي بدينك .. لا أكفر ..! الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأربعاء 21-05-2025 04:20 مساء الزوار: 61 التعليقات: 0
|
|