|
مهمة من تاريخنا الأدبي نضال برقان عن دار الخليج في عمان صدر كتاب جديد للناقد الأدبي د. إبراهيم خليل في 192 ص موزعة على بابين: باب عن ناصر الدين الأسد، وباب عن محمود السمرة والنقد الأدبي. يقع الأول في ثمانية فصول والثاني في سبعة. تتقدم كلا منهما مقدمة وتلي كلا منهما خاتمة. جاء في مقدمة الباب الأول: فللأسد الكثيرُ من البُحوث، والدراسات الموْسوعيّة، والأدبيَّة، واللغويَّة، التي تجْمَعُ بين الشُمول، والتنوُّع، وتأصيل الدَّرْس اللغويّ، والأدَبيّ، ممَّا يجعلُ القولَ بأنّ الأسد – رحمه الله- وحيدُ عصْره، ونسيجُ وَحْدهِ، قولا حريًا بالقُبول، خاليًا من التزيّدِ والفُضول. وتسنَّم بسبب هذه الجهود المتميزة عددًا من المناصِب السامِيَة، فكانَ أول وزير للتعليم العالي، وأول رئيس للجامعة الأردنية الأمّ، وأوَّل عَميدٍ لكلية الآدابِ، وأولَ رئيسٍ مؤسِّس للمَجْمَع الملكيّ لبحوث الحضارة الإسلامية. وعن شعر الأسد يقول المؤلف بعد دراسته دراسة مطولة في الفصل الأول: ومما يَسْترعي الانتباه، ويلفتُ النظر في شعره، أنه شعرٌ رقيق، يجمَعُ بين الجزْلِ المتين، والإحساس اللين الرفيق، الذي ينأى بقرائهِ عنْ شعْرُ العلماءِ، وأضْرابهم، من أهلِ الرواية، والدراية، والفقه. وفي الفصل الثاني يقفنا إزاء الأسد الناقد متريثا إزاء قضيتين مهمتين، وهما: قضية الوحدة، وقضية التعبير غير المباشر عن المعنى، وذلك شيء يتصف به بعض شعر أبي سُلمى، وبعض شعر فدوى طوقان. ولأن الأسد لا يقتصر على الشعر من حيث هو ناقد، فقد وقفنا المؤلف على كتابه عن خليل بيدس الذي يعده رائدا للقصة، وقد مهد له، وقدم، بمقدمة كانت سبيله الموطأ للتعريف بالكاتب، ثم عرف به تعريفاً كان سبيله لذلك بسط القول عن أعماله وآثاره، ثم عرض لروايته «الوارث» عرضا سلسًا، كان سبيله لتقويم هذا العمل ونقده، ووَضْعه في الموقع المناسب من حركة التأليف الروائي، وانطلق من هذا إلى بسط القول في فنِّه القصصي، وجاء ذلك كله في غاية الإيجاز، من غير حشوٍ ولا تطويل. وفي الفصل الرابع يتناول المؤلف تحقيقات الأسد اللغوية، ورأيه في استعمال عشرينيات، و جمع ناد على أندية أم نوادٍ، وهل يجوز في العربية استخدام (حماس) دون تأنيث. وقد استخلص المؤلف من وقفته المطولة تلك نتيجة على غاية من الأهمية وهي تأكيده أن كتاب (تحقيقات لغوية) من الكتب النادرة في البحث اللغوي، بالرغم من أنه لا يمثل بفصوله بنية متماسكة تقوم على ترابط الموضوعات ترابطا يؤدي المتقدم منها إلى المتأخر، ولكنَّه بما يقدِّمه للقارئ من مأدبة علمية متعددة الأصناف، والألوان، يدخل إلى نفسه المتعة، ويحبِّبُه بتراثنا اللغوي. ومثل وقفته هذه، ثمة وقفة أخرى من تحقيقاته الأدبية التي دقق فيها الأسد بمسائل عويصة من التراث، كالتعريف بالعُجَيْر السلولي شاعرًا، وحذافة بن غانم، ومفهوم البطولة في الشعر الجاهلي، وعلّةِ خلوّ شعر ابن زيدون من رثاء ممالك الأندلس. ففي بحثه هذا يبدو كما لو أنه متخصص في الأدب الأندلسي. وفي بحوثه الأخرى، ومنها البحث الموسوم بالنَقْطِ والحرف العربي، يبدو لنا متخصصا في غير حقل من حقول الأدب، والقراءات. حتى في تناوله لعناصر التراث في شعر شوقي يفوق الكثير من المتخصصين في الأدب الحديث دقة، ومعرفة بالشِعْر، إن كان من شعر المحافظين، أو المجدِّدين. وفي سادس الفصول يقفنا على نهج الأسد في تتبع الجراد في التراث العربي، فهو كسائر كتبه ينهج فيها جميعا نهجًا واحدًا لا يتغير من أول الكتاب إلى آخره.. فلا يفوته في ذلك ذكر اسم المؤلف، أو العنوان، أو اسم المحقق، أو الناشر، ومكان النشر، وتاريخه، مع الفهارس التحليلية الدقيقة، وتخريج الآيات، والأحاديث من كُتُب الصحاح، والأشعار من الدواوين، والمختارات، ومصادر الأدب.. فهو، لهذا كله، قدوةٌ لمن أراد البحثَ والتأليف، وإسْوة حسَنة لمن جدّ في طريق الإبْتداعِ والتصنيف. وعن « الأمالي الأسدية» الفصل السابع، وهو، وعلى الرغم من ارتكازه على تخصص دقيق هو الشعر الجاهلي، والإسلامي، إلى ما يقارب منتصف العصر العباسي، كتابٌ لا يخلو من تنوع ملحوظ، واستطراد مقبول غير مرفوض. إذ يجمع جمعا جميلا بين رواية الشعر، والتحقق من صحة الأسانيد، والمتون، وما يتصل بالعربية من أسئلة، وإشكالات، وما قيل فيها من اجتهادات، فإلى النظر في مسائل فنية خالصة كوحدة القصيدة عامّة، ووحدتها في المعلقات خاصة. فإلى جماليات العربية باستعراض درر من عيون الشعر، قديمه ومتأخره. ويختتم المؤلف الباب بفصل ثامن يؤكد فيه أن الكتاب الذي صدر عن المركز الثقافي برام الله وعنوانه خليل بيدس، مثلما يصفه مؤلفه جهاد صالح: «شذراتٌ مُتناثرة» ينبغي التنبيه على ما فيها من التدليس، والاختلاس، في زمن ٍشاعتْ فيه القرْصَنة ُالأدبيّة،والفكريّة، شيوعا كبيراً. في الباب الثاني، وفيما يشبه التقديم، يروي لنا المؤلف بعضا من سيرة السمرة وفق ما ورد في كتابه «إيقاع المدى». أما عن صلته بالنقد القديم، فذلك موضوع الفصل الأول منه. وقد أوضح لنا نهْج الراحل المتمَيّز في نظره للنقد القديم نظرة قائمة على الانتفاع بما لديه من الاطلاع على النقد الغربي، فلا يفتأ يوازنُ بين آراء القاضي الجرجاني وآراء النقاد الغربيّين من أمثال: إليوت، وريتشاردز، وهربرت ريد، فضلا عن أنه يُسلِّطُ على نقدنا القديم أضواءً جديدة – مما يعودُ على الدارسين لهذا التراث بفوائدَ منهجيَّة تجعل من الكتاب الموسوم بعنوان (القاضي الجرجاني: الأديب الناقد) قدوة تُقْتدى، وطريقة في البحث حريةً أنْ تُقلدَ، وتحتَذى. وفي الفصل الثاني، والثالث، والرابع، يتتبع جهود السمرة في تتبُّع النقاد. فعكف أولا على قراءة آثار العقاد، فكان كتابه « العقاد دراسة أدبية « 2004، ثم عكف على قراءة آثار طه حسين، فكان كتابه « سارق النار- طه حسين « 2004، وأخيرا «محمد مندور - شيخ النقاد» (2006) ليتم به سلسلة الكتب، وفيه نجد المؤلف يتتبَّعُ آثار الناقد بدءًا من كتابه «النقد المنهجي عند العرب» مرورًا بسائر مؤلفاته، مؤكدا أن النقد المسرحي هو الحلقة الأضعف في آثاره. وفي الفصول من الخامس، إلى السابع، يسلط المؤلف الضوء على صلة السمرة بالنقد الحديث، فهي تتّضح في كتابه « النقد والإبداع في الشعر» وعلى نقده التتطبيقي، ودوره في حركة التثاقُف، منتهيًا بمحصلة، وهي أن السمرة يطوِّفُ بالقارئ على المناهج النقدية المتعددة، ويلقي بالضوء على مواقفها من الإبداع الأدبي، والفني، ومن الشكل الشِعْري، والعلاقة بين الشكل، والمضمون، وعلاقة التجربة الأدبية بما هو مختزنٌ في لا شعور الأديب من رغباتٍ مكبوته، مثلما يطوّف بنا في عالم المدارس الأدبيّة من واقعية، ومثالية، ورمزية، وسوريالية، بما في ذلك مدرسة النقد الجديد الأنجلو- أميركي. يُذكر أن هذا الكتاب توليف من كتابين سابقين، أولهما عن ناصر الدين الأسد، وصدر عام 2017 . والثاني عن السمرة وصدر عام 2019. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 20-07-2025 11:55 مساء
الزوار: 34 التعليقات: 0
|