|
مهدي نصير هذه هي الرواية الأولى للدكتور باسم الزعبي بعد أن أصدر سبعَ مجموعاتٍ قصصية ابتداءً من «الموت والزيتون» عام 1995 وصولاً إلى «رواية الفصول الأربعة» عام 2018، كما وأصدرَ الدكتور الزعبي ترجماتٍ عديدةً من الرواية والقصة الروسية. هذه الرواية «أنا يوسفُ يا أبي» والصادرة عام 2024 عن دار (الآن ناشرون وموزعون) وتقع في 250 صفحة وتحمل في لوحة غلافها صورةً اختتم بها الروائي المقطع الأخير من الرواية: صورة يوسف عون أو محمد عون مع ابنه عون على أحد شواطيء اسطنبول بعد رحلةٍ طويلةٍ من الهروب من فصائل المجاهدين في سوريا هو وزوجته السورية الشمالية «مُهرة». الراوي في هذه الرواية في كلِّ فصولها هو الراوي العليم الذي يطوف بروايته بين شخصيات هذه الرواية ابتداءً من الحوراني الأردني عون المحاميد وعائلته الصغيرة والده ووالدته البسيطين وأخيه صالح وأخته عائشة وصديقتها جميلة، سفر عون المحاميد إلى روستوف في روسيا ودراسته الهندسة المدنية وزواجه من «غالينا» الروسية والتي تُنجب له «ريمة» و»محمد» وهو الشخصية التي تدور أحداث الرواية حول ضياعها وفقدانها الهوية والأمل بالحياة سواءً في الأردن أو روسيا وهروبه والتحاقه بالمجاهدين في سوريا عبر شبكات التجنيد المنتشرة في تركيا وعبر أحد أدوات هذه الشبكات «حمزة نمر» البريطاني ذي الأصول العربية. ترصد الرواية - عبر فصولها القصيرة والكثيفة والتي كان كلُّ فصلٍ منها يحمل عنواناً فرعياً مرتبطاً بموضوع الفصل أو بشخصيةٍ من شخصيات الرواية – حياة المهندس عون والذي يتم إنهاء عمله من الشركة التي يعمل بها في الأردن بوقتٍ مبكِّر ومرتبطٍ بالفساد الذي كان يواجهه ويحاول أن يوقفه في هذه الشركة، يدخل عون في ضائقةٍ ماليةٍ ونفسيةٍ شديدةٍ جعلته يسافر مع زوجته « غالينا « ويغرق في بطالةٍ وسُكرٍ ويأسٍ من الحياة وجعلته يبتعد عن إبنه محمد وعن المدارات التي بدأت تأخذه لمناخاتها المتطرفة والمشبوهة – التنظيمات الدينية المموَّلة والعابرة للقارات – والتي سيطرت على محمد الذي كان يهربُ من مآساة عائلته ويأسِ وإحباط أبيه وخيانة أمِّه «غالينا» لأبيه وليس اقتناعاً بهذه التنظيمات – هذه التنظيمات التي جندته للقتال في سوريا، وقف محمد عون مع أبيه عون ضد خيانة أمِّه «غالينا» وأنقذه من السقوط بالسُّكر واليأس واستعاد معه الأمل والعمل في شركةٍ هندسيةٍ في روستوف، ثمَّ اختفى محمد عون بعد ذلك وذهب إلى تركيا ومنها لغازي عينتاب ومنها للقتال مع الفصائل المسلحة والتي يقودها جَهلةٌ وموتورون ونكرات، كان محسن النوري أو أبو عكرمة قائداً للفصيل الذي أُرسل إليه محمد عون جاهلاً لم يتمَّ الصف السادس الابتدائي ولم يدخل المسجد في قريته إلا للصلاة على والده عند وفاته، محسن النوري وأمثالهُ الذين يتم حقنهم بالمال والجنس والسلطة بطريقةٍ تصفها الرواية بكلِّ دمويتها وجهلِها وتخلُّفها وبكلِّ سذاجة المشاركين بها كمقاتلين: السوري والمصري والتونسي والأردني والفرنسي ووو، نقرأ هذا الحوار بين معتز الصالح المحاميد ابن عم محمد عون مع سمسار المجاهدين حمزة نمر: «معتز المحاميد مخاطباً السمسار: إياك أن تخادع، مقابل ماذا تخسر حياتك؟ كلُّكم تجّار حروب، كم يدفعون لكَ مقابل كلِّ شخصٍ تُجنِّده؟ مَن يدفع لكَ أيها السافل؟ هل تريد أن تقنعني أنكَ غيورٌ على الدينِ أكثرَ منا؟ لماذا لم تظهر غيرتكَ على الأقصى وإخوتكَ في فلسطين؟ أليسوا مسلمين؟..» ص154 تتحرَّك أحداث الرواية نحو البحث عن محمد الذي قالت الفصائل المسلحة أنه قُتل في إحدى الغارات، هذه الحركة في البحث عن محمد كان بعضُها بوليسياً كزيارة أبيهِ وابنِ عمِّه معتز لاسطنبول وقبضهم على حمزة نمر ليدلهم على مكان محمد، ولكنَّ الحكايةَ الجذرية كانت هي التي تتصدر أحداث الرواية وحبكتها الرئيسية والتي كانت حبكةً تاريخيةً ومآساويةً وكانت تتمدَّد وتتمظهر عبر هذه الشخصيات التي تورط بعضُها مع هذه الفصائل التكفيرية الممولة من الخارج ومن دولٍ وأجهزةٍ تحمل مخططاتٍ كبيرةً لتدمير المجتمع السوري وتدمير مدنه وقراه وتدمير اقتصاده وشبابه وتدمير دوره المحوري في التصدي للمشروع الصهيوني في بلادنا، كانت هذه بعضَ تداعياتِ محمد عون أو يوسف الذي اكتشف هذا الزيف وهذه المؤامرة والذي اكتشفته أيضاً الفتاة السورية « مُهرة « التي تزوجها قائد الفصيل المسلح أبو عكرمة الجاهل والأمِّي والقاتل والذي يُقتل بإحدى الغارات، « مُهرة « ومحمد عون مثَّلا في الرواية الوعي والأمل القادم حيث هربا معاً من شمال سوريا عبر الرشاوي والتهريب لأحد مخيمات اللجوء السوري في تركيا وتزوجا وأنجبا عوناً الجديد. كانت لغةُ الرواية لغةً فصيحةً وبسيطةً وناقشت من خلال الشخصيات المختلفة قضايا هذه الأمة والجهل والتعصب وتآمر الغرب والصهاينة والعثمانيين عليها لتدميرها والسيطرة على أرضها وثرواتها و نموذجٌ لهذه الحوارات ما كان يدور من نقاشاتٍ بين يحيى الغزيِّ زوج ريمة ابنة عون مع عمِّه عون على شاطئ الدوحة، وكذلك النقاشات التي كانت تدور بين محمد عون ومُهرة والتي شكَّلت قصَّتُهما وخروجهما من أتون الدم والحقد والتخلف والتآمر على سوريا والسوريين الجانب المضيءَ والجانب الذي يمنح بعضَ الأمل للقادم القاسي والمُريب، نقرأ هذا المقطع من تداعيات محمد عون بعد لقائه بسمسار المقاتلين « حمزة نمر « في اسطنبول: «عندما ذهبا للنومِ، لم يستطع محمد أن يغفو رغم تعب السفر الطويل، والنهار الحافل، تسلَّلت إلى فِرلشه النيران التي اشتعلت بالطيار الأردني، وصار يتقلَّب على جمرها: « (إلى أيِّ جحيمٍ أوردتُ نفسي؟ ما هذه الحرب البشعة؟ لماذا كلُّ هذه الوحشية؟ هل هؤلاءِ مسلمون حقاً؟ هل هم هؤلاءِ من سألتحقُ بهم؟) أسئلةٌ كثيرةٌ كانت كألسنةِ النارِ جوانبه وتجعله يتقلب طوال الليل» ص144 أبارك لصديقي الدكتور باسم الزعبي روايته المشوِّقة والمُممتعة والتي حملت موقفاً فكرياً وإنسانياً عميقاً لواقعنا العربي الذي يغرق بالجهل والتعصب والتآمر، هذا الواقع العربي المآساوي والذي يقود إلى توظيف أبنائه كوقودٍ لحربٍ لا يقتلون بها سوى أنفسهم ومستقبلهم الذي بات غامضاً ودموياً ومتخلفاً وتهبُّ عليه رياحُ الطائفية والعرقية والمذهبية والتي يوظِّفها أعداءُ هذه الأمَّة لتدميرها. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 01-05-2025 11:18 مساء
الزوار: 39 التعليقات: 0
|