|
|
||
|
قراءة نقدية معمقة لقصيدة "عهد الجلنار" للشاعرة سلوى فرح إعداد: د. موسى الشيخاني
قراءة نقدية معمقة لقصيدة "عهد الجلنار" للشاعرة سلوى فرح إعداد: د. موسى الشيخاني
تمهيد: في قصيدة "عهد الجلنار"، تفكك الشاعرة سلوى فرح خيوط علاقة كانت مشتعلة بالحب والوهج، وتعيد تشكيلها في هيئة رماد يتطاير مع الريح، بلغة شعرية مشحونة بالرموز والإيحاءات. النص يمثل مرآة لتجربة فَقْدٍ مُركّب: فقد العاطفة، وفقد المعنى، وربما فقد الذات في لحظة يقظة موجعة. وهي قصيدة وجدانية ذات طابع تفكيكي، تنتمي إلى خطاب الأنثى الواعية بذاتها وحدودها ومكامن قوتها وضعفها معًا. العنوان: "عهد الجلنار" العنوان ذاته مشبع بالرمزية:
- "الجلنار" (زهرة الرمان) ترمز في الثقافة الشرقية إلى الجمال، والأنوثة، والتجدد، وأحيانًا إلى الألم الناضج. - "العهد" يدل على ميثاق أو وعد سابق، ما يوحي منذ البداية أن القصيدة تقوم على مفارقة: عهد نقض أو تم التخلي عنه. يؤسس العنوان لثنائية أساسية تتكرر في القصيدة: البهاء/الذبول، الحضور/الغياب، النور/الانطفاء. التحليل الفني والموضوعي:
1. البنية العاطفية: تتخذ القصيدة شكل مونولوج نسوي داخلي يعكس تحرّرًا تدريجيًّا من أسر علاقة عاطفية انتهت، لكنه تحرر غير خالٍ من الألم. إذ تقول: "يا مَنْ كُنتَ أميرَ فاكهتي / لقد حلَّ الخريفُ برحيلِ الجلنار" - الفعل "كُنتَ" يحيل إلى نهاية، إلى ماضٍ لم يعد له مكان في الحاضر. - تحضر صورة "الخريف" هنا كرمز للموت العاطفي، وهو نقيض "الجلنار" رمز الحياة والتفتح.
2. المعجم الرمزي: القصيدة مشبعة بالصور المجازية التي تنتمي إلى الطبيعة: - "بُحيرةُ ذاكرتي"، "قمر أيلول"، "كرز شفتيك"، "صنوبرك الباهت"، "ساقية الريح"... - هذا التوظيف للطبيعة يمنح القصيدة بعدًا شعريًّا بصريًّا، حيث يتحول العالم الخارجي إلى مرآة لانفعالات الداخل. كما أن الشاعرة توظف تناقضات دلالية بشكل فني: - "فانوس العشق خفت"، "نَبضكَ تجمَّد"، "الهمسات التهمتها نيران الصحوة"، مما يخلق توترًا داخليًا حادًا بين ما كان وما أصبح.
3. التحول في الموقف: القصيدة تسير على محور تصاعدي، يبدأ من الوجع والذهول ويصل إلى التحرر والتمرد: "لملم أوراقك العارية وارحل / أنا لا أتقن دور الجارية" - هذا التحول الدراماتيكي يمثل نقطة تحول نفسية. تنتقل الشاعرة من موقع الانكسار إلى موقع الرفض، من التماهي مع الآخر إلى إعلان الاستقلال.
4. نقد الرجل/الآخر: تُصوّر الشاعرة الحبيب السابق بصورة الملك الزائف أو "فنان في تقليد السلاطين"، وهي صورة تتهكم على ذكورته المصطنعة وتُجرده من الهيبة: "وأنتَ فنَّانٌ في تقليدِ السلاطينِ" وهنا تحضر نبرة نسوية واضحة، ترفض فيها الشاعرة الخضوع أو التسوّل العاطفي، رافضةً أن تكون "جارية" في بلاط "سلطان مزيف".
5. الأسلوب والصوت الشعري: - الشاعرة تمتلك صوتًا شعريًّا قويًّا ومتّزنًا، تتحكم بلغة القصيدة دون أن تنزلق في المباشرة أو التقريرية. - هي تستثمر الإيقاع الداخلي، عبر الجناس والتكرار والصور المتداخلة، أكثر من اعتمادها على الوزن أو القافية.
جمالية الختام: "سأدعُكَ حتَّى آخرِ عهدي / وتراً يتيماً في سيمفونية الموت" الختام مؤلم وعميق. صورة "الوتر اليتيم" في "سيمفونية الموت" تضع نهاية مهيبة للعلاقة، وتُعلن عن لحظة القطع النهائي. لم تعد هناك مساحة للحن جديد، فقد انتهى العزف.
خلاصة القراءة: قصيدة "عهد الجلنار" ليست مجرد نص وجداني عن الحب والخيانة والانفصال، بل هي رحلة وجدانية من الاحتراق إلى الإدراك. سلوى فرح تكتب ذاتًا متحررة، متمردة، ترفض التبعية العاطفية، وتعيد تعريف العلاقة من منطلق الكرامة واليقظة الداخلية. إنها قصيدة أنثوية بامتياز، تُمجّد الذات وتُحرّرها من سطوة وهم الحب حين يتحوّل إلى عبودية.
القصيدة: عَهد الجلنار
روحُــكَ تَلاشـتْ عن مَهـدِ مائـي وتَبخَّـرت بُحيـرَةُ ذاكِـرَتي... يا مَنْ كُنتَ أميرَ فاكهتي لقـد حـلَّ الخَريـفُ برحيلِ الجلنار خَفَـتَ فانـوسُ العِشـق وأَطفأتُ قَمرَ أيلول حتى نَبضُـكَ تَجمَّـدَ في عُنُقِـي و خَبـا بَخـورُ أَنفاسِـي.. الشَّـوقُ غادرَ شُـرفَةَ أَحلامِـي فَلا سِحـرُكَ يَغْوينـي وكرزُ شَفتيـكَ دون حَلاوَة.. صَنـوبَرُكَ باهِـتٌ أصفرُ سئمتُ الـدُّروبَ إلى صـدرِكَ وفي القِفـار دَفَنـتُ أَشعـارَكَ وأَضعـتُ مَفاتيـحَ قَلبكَ بَصماتُـكَ تائهةٌ إلى ساقِيـةِ الريـح ِ أَتـدري.. هَمَساتُكَ الباردةُ التَهمَتـها نِيرانُ صَحوَتي؟ ألمَـحُ طيفَـكَ عنـد أَعتـابِ مَساماتِي لن تَعبُـرَ ضِفـافَ البَنَفسَـج أَكاليـلُ النـورِ لا تُزهِـرُ إلاَّ في الضَّـوء لَمْلِمْ أوراقَكَ العاريَة وارْحَلْ أنا لا أُتقِـنُ دَورَ الجـاريةِ وأنتَ فنَّـانٌ في تَقليـدِ السَلاطيـنِ... ماذا لو أَهدَيتَنـي القَصـائدَ المُطـرَّزةَ بالحَريرِ وذاتـي تَنتَـحِرْ ؟ ماذا لو طَوّقتَنـيْ بالَلآلـئ وشَهقاتِـيَ تُحتَضَـر ؟ سأدعُكَ حتَّى آخرِ عهدي وتراً يَتيماً في سيمفونِيَّـةِ المـوتِ أَنت لا تُحسـنُ العَـو مَ في بحـرِ المُستَحيـل ولا التَّحليـقَ فوق الثُلـوجِ فَلتَبـقَ أَسيـرَ الجَليـدِ كندا الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 20-06-2025 11:05 صباحا الزوار: 307 التعليقات: 0
|
|