|
|
||
|
قراءة نقدية معمقة لقصيدة "صمت الألم" للدكتورة ساميا موسى عقيقي ..اعداد: د. موسى الشيخاني
قراءة نقدية معمقة لقصيدة "صمت الألم" للدكتورة ساميا موسى عقيقي ..اعداد: د. موسى الشيخاني
تمهيد: في قصيدتها "صمت الألم"، تنسج الشاعرة د. ساميا موسى عقيقي نصًّا وجدانيًّا مكثفًا يستند إلى ذاكرة الشعور والانكسار، ويعكس صوتًا أنثويًّا ناضجًا يحمل بصمة التجربة العاطفية العميقة والتأمل الوجودي الحادّ في معاني الحب والخسارة. النص يندرج ضمن شعر التفعيلة الحر، ويتميّز بجمالية لغوية تنبع من صدق الإحساس وتنوع الصور الشعرية.
أولًا: العنوان ودلالاته يحمل عنوان القصيدة "صمت الألم" تناقضًا دلاليًا مركّبًا بين السكون (الصمت) والمعاناة (الألم). وهذا التضاد لا يُفضي إلى تعارض بل إلى تضافر دلالي، فالصمت هنا ليس راحة، بل لغة موازية تنقل ما لا تستطيع الكلمات قوله. هذا التوتر الثنائي بين الخارج الصامت والداخل المتألم يشكّل النواة الشعورية للنص.
ثانيًا: تحليل البناء الشعري 1. الحركة من التذكر إلى التحرر: تنفتح القصيدة على حالة من الترنح فوق "ذكرى" تتصف بالشرود والهروب من "معتقل الزمن"، حيث تكشف الشاعرة عن سجن داخلي تفرضه الذكريات، لكنها في الوقت ذاته ترصد تماهيها مع الألم، ذلك "اللذيذ" الذي يعكس لذة الحنين رغم وطأته. تتدرج القصيدة شعوريًّا من الاستسلام إلى الشوق إلى التمرد والتحرر في ختامها.
2. التوتر العاطفي والفلسفي: يظهر في النص طرح فلسفي للعشق كـ "شعور إن لم يقابله إحساس أقوى يصبح بلا معنى". هنا، تضع الشاعرة الحب على ميزان التبادل الوجداني، وتُحيل العلاقة إلى لعبة عبثية حين يكون العطاء من طرف واحد، وهذا ما يبرر اتخاذ قرار الرحيل.
3. المجاز والصور الشعرية: تستند الشاعرة إلى عدد من الصور المجازية القوية:
"أدمن الألم اللذيذ" – حيث يتحول الألم إلى حالة إدمان ذات لذة تتقاطع مع مرارة الاشتياق.
"أراقص حلما مستحيلا" – تزاوج بين الحلم كفكرة مستحيلة والرقص كحركة تعبيرية حية.
"سأترك لك تنهيدة من أعماق القلب" – تنهيدة تُصبح كيانًا ماديًا يعانق أنفاس الحبيب.
"تخمد الجمر المتقد... حتى لا تستعر النار من بعدي" – تصوير ناري للآثار العاطفية التي قد تستمر بعد الفراق.
ثالثًا: اللغة والتقنية 1. اللغة: لغة القصيدة رشيقة، تتراوح بين التعبير العاطفي المباشر (وداعًا حبيبي، سأرحل) والتكثيف الرمزي (معتقل الزمن، متاهات الفكر، مرجك الأخضر). ويُلاحظ حضور ضمير المتكلم "أنا" الذي يُكرّس الطابع الذاتي للنص ويُعزّز حضوره الوجداني.
2. الإيقاع: النص حر، بلا التزام صريح ببحر عروض، لكنّه محكوم بإيقاع داخلي مستمد من التناغم بين التكرار (سأ...)، التوازي التركيبي، وتوالي الصور. وهذا الإيقاع يواكب تموجات الشعور ما بين انكسار ورجاء ثم قرار بالمغادرة.
رابعًا: الذات الأنثوية وإعادة كتابة الوداع القصيدة ليست فقط شكوى، بل إعادة كتابة لوداعٍ يتخذ شكلًا سياديًا، فالمرأة هنا ليست الضعيفة أو المستسلمة، بل من تملك الوعي الكافي لتدرك أن من لا يُغني روحها "ليس القوت الكافي"، وأن العلاقة تصبح وهمًا في غياب التكافؤ. إذًا، نحن أمام ذات نسوية قوية، تُمارس حقها في إنهاء العلاقة من موقع الاختيار لا الانكسار، وتختم بفعل رمزي بالغ: "سأمتطي صهوة جوادي وأرحل".
خامسًا: الخاتمة ودلالاتها: الختام لا يقل قوة عن بدايات القصيدة. "وداعًا حبيبي" ليست جملة استسلام بل إعلانٌ للانفصال الواعي، والتخلص من دائرة الألم، والعبور نحو ضفة أُخرى من التحرر. وهي تخلي عن الحبيب دون كراهية، بل بمنحه "تنهيدة" ووصية أخيرة، في لفتة إنسانية شاعرية.
خلاصة نقدية: "صمت الألم" قصيدة تحفر في العمق الشعوري والوجودي للذات، وتكشف عن وعي ناضج بالعلاقة العاطفية ككيمياء معقدة من الإحساس والكرامة. جمالها يكمن في صراحتها النفسية، وقدرتها على تحويل الانكسار إلى نهوض، والوداع إلى بيان سيادة روحية. نصٌّ يحتفي بالأنوثة الواعية لا الباكية، وبالذات المحبة لا التابعة.
القصيدة : صمت الألم
أترنح على ذكرى تلك اللحظات الشاردة الهاربة من معتقل الزمن أدمن الألم اللذيذ السارح في ليالي الشوق أراقص حلما مستحيلا راودني عند الفجر ألوذ إلى الصمت لأن الكلام أصبح عاجزا عن تجبير الخواطر أم أن العتاب أبى أن يذل الروح أكثر أؤمن أن العشق شعور أن لم يقابله إحساس أقوى يصبح بلا معنى مجرد وهم تشرد في متاهات الفكر ولعبة خاسرة مع القدر سأمتطي صهوة جوادي وأرحل لأنك لست الحلم المنتظر ولست القوت الكافي لروحي سأترك لك تنهيدة من أعماق القلب لتعانق أنفاسك عند احتضار الحنين في أحضان الليل ولا تنس أن تخمد الجمر المتقد حتى لا تستعر النار من بعدي وتحرق سنابل القمح في مرجك الأخضر وداعا حبيبي
بقلمي أميرة الشعر العربي سفيرة السلام والثقافة العربية د.ساميا موسى عقيقي الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأربعاء 18-06-2025 12:32 مساء الزوار: 55 التعليقات: 0
|
|