|
يركلُ كُرَة النّارِ يأخذها في حجرهِ كأنها قمر بارد.لله درّ هؤلاء كم هم غاوون ووشاة أيضا. وأي شطحات تلك للمخيال ؟ تأنف أن تتزمَّلَ بغير قميص زمنها (هي) نكاية في راهن تجاوزنا بأشواط عدةّ،أبحقّ نكون قد تخلّفنا عن مواكبة مجازره وساديته وجبروته الذي يتلوّن بغبار شياطين تتجدد لمحاربتنا والقضاء علينا حدّ الانقراض، بين الفينة والأخرى صانعة كل هذه القيامة وكل هذا الهول…؟إنهم وباختصار شعراء حقبة تُكتبُ بالدم، لم يعد في وعيهم خيط رابط بتعاليم المدينة الفاضلة.طلّقوا أبراجهم العاجية ليركبوا موجة احتواء مشاهد الواقعية والنهل من تفاصيل الآني على نحو يسعف في صياغة جديدة لذات التشظي وحياة الانشطار.ذلكم الواقع الأشبه وإلى حدّ بعيد بكرة من نار ،من مثالب المهارة الإبداعية، أخذ تلك الكرة الملتهبة في انكفائها على عوالم متداخلة ومتشابكة ،الكفة الراجحة فيها للمفارقة والغرائبية والأنانيات المريضة والدموية والاضطراب، فيما الخاسر أولا وأخيرا جراء كل ذلك الإنسان والضمير الحي وصوت الفطرة ونواميس الاعتدال.قلت أخذ تلك الكرة من الجحيم، ثمّ وضعها ــ بشجاعة ـ في الحجر وكأنها مجرّد قمر بارد، تماما مثلما يطالعنا بنظير ذلك شاعرنا المتألق يونس عطاري،على سبيل الاستعارة الكلية إذ تغالب التنميق اللغوي لتجذب إلى عروض صورية مشوّقة تضخّ في طرف التلقّي زخما وباقة من حكم محيلة على ما يفيد العزف على قصب المزاج وشقّ كوة في أفق الكتابة حال الانسداد الروحي واختناق الذات كضحية لجلاد أكبر اسمه راهننا المفتوح على مزيد من احتمالات الوجع والتلاشي والدمار.لعلّ هذا ومثله غيض من فيض لما يمكن أن تشي به التجربة المغايرة مثلما يرسمها ركوب موجة جديدة للحكي، للبوح بمعزل عن الصوت الباطني أو رد الفعل المتسرّع في جنايته الشنيعة على شتى ما يتيح تغذية أيديولوجية وفنية على حد سواء مناهضة بالتمام لجملة الطلاسم والمعميات المعمّقة لإفراغ الذات وتشتيت طقوس الإشباع.إنه وبمنظومة رؤى على هذا الطراز، يطالعنا المبدع الأردني النّبيه يونس عطاري بأجدد إصداراته عن دار الأهلية/عمان .. الأضمومة الموسومة بعتبة مستفزة جدا ومقلقة ومثيرة للجدل ومغرية جدا وباعثة على افتضاض بكارة ما تحجبه ما ورائيات ألوان شعرية هامسة بعذابات الذات وتخبطاتها والتواءاتها مع الدروب المقنّعة للحياة المعاصرة ضمن حدود المواجهة غير المتكافئة ولا العادلة التي تحاصرنا بها المادية الحديثة.تلك بعض ملامح الذات في محاولات فكاكها من سلطة الواقع كضرب من تكالب على نورانية وأخلاقية وفردوسية وطفولة المحذوف.شعرية ديوان( الجبال التي أحبّت ظلي) كاشتراط يمليه توهج البصيرة، يزدري المحاباة،إشفاقا علينا وهو ينزع بنا صوب ما وراء الخطوط الحمراء النارية وفي مغامرة كلامية باذخة تهدم لتبني وتُردي لتهب الحياة.لنتملى سوية هذه الاقتباسات ليتبين لنا بعض ما ذهبنا إليه:” يرشُّبالرّحيلِظهريفأسندُ إليهِ قلبيوأُعلّقُ الفاكهة.”…………..” ولا قدَم لديلا سكنْعلّقتُ بالنّخلةِ قلبيواهتديتُ:أنّ هوايَ هو الهوى.”……………” من هزّ الأرضَ كي أنامَ في انشغالِالجيرانِ بِتلاوةِ الكتابِ على الذاهبين؟وتركَ نجمتهُ بلا اتّساع ــ في أيلولَ ــليراني؟هذا الوجعُ متواضعٌ جدّا يكفي اثنينْكي يكونَ أحدهما منفيّاوالآخرُ قطارْ:الحزنُ وقتٌ كاملْالدّربُ ضيقة.”…………….” غريبٌ عن المطرِوداركَ منْهلٌ يسحُّ منه ماءُ الورقوأقوالكَ تسقطُ في الرّيحيسدُّ نسجكَ باللغة كوة كمن يرتّقُ ثوب ” الخطاب”دوّنتُ كالورّاق جسرا من الحرف أو التّنكصيدُك حرف قربَ قلبكَ المنجلي يقطفُ الوردة الدمشقيةدون أن يرتفع ذلك المهماز في خاصرة الفرس.”………………” .. والآنْأغصُّ بالحنينِ وفقْدِ الأمكنةْأستُرُ وقتَ النّداء بين الرّاحتينِوأجاورُ الوعدْ “……………….” أعلنتُ طيشيوارتدَتْ رملها الروحفترامتْ وارتميتُ”……………” خيولُ الموجتدافعتْ تحاورُ الاستواء العاليعند ارتفاع الدهشةِ الأولىوقالتْ:لن أزفَّ إلى الترابِ حبيبيأنا فتاةُ الماءِ..اغتسلتُ تحت عرش الدواليبالبارودِوالحنّاءْ”……………“هيالبلدانُ طلَلُها.. والغيمةُ أيضافهلْ للشجرةِ دخولٌ.. أو مسافةْ؟لبستِ العتمة في دائرةِ الماءِ والفخِّوغابتْ.. أسمعُ سيرةَ جهليتركُض فيّ:أين اكتشفـتِ عباءةً للقولِ؟”………………” التّاريخُ ظلُّ قبّعتكفي هذا الحرِّ..ادنُ من قصبِ المزاجِفالدخول في محجركَ:عريالخروجُ منهُ لباسك في انجذاب الرّاحلينَإليكْ”………………..” برملٍ قليلٍوقشّأبني بيتي وأحلامي”………………” أعيد ترتيب الإله بين الصخوروالطينأشعلُ الأزرقَأسكُبهُ في صحونٍ من وجعيوأحتمي بالهواءِبالنّدىوالنوافذْ “……………..” كلنا جلادوكل وطن ضحية”
طرائد نصية تتنوع وتتوزع حسب التدفّق الواعي لتيار الكامن وتبعا لمنسوب الشحنات الوجدانية والمعرفية،تتفشى تصاعديا وباعتماد نفس متقطع يلوّن المرحلة بمعالجات تقتضيها النرجسية المقبولة إذ تصقلها الثيمة المحتفية بمرآة الآخر.هنا يتمّ تشكيل القصيدة من داخل الذات، تماشيا وتناغما مع إيقاعات سيرية، تشحذ نزيف الواقع الذي لا يتوقف لحظة .كحالة ترنّم تُتيح لمزاوجة رهيبة بين الفجائي والغنائي، تروم ترجمة مشوهة مقصودة لهذا الواقع على اختلاف مناحيه،ومن ثم افتعال ترتيبات له وقفا على إملاءات مناخ الاغتراب والمنفى والعزلة الإبداعية.كذلك هي القصيدة بعدّها انقلابا على الذاكرة والانصهار في بوثقة زمكانية محدّدة ومسطّرة سلفا.. كفعل إبداعي يحدث وتتواتر فصوله ضدا في واقع تجاوزنا بسائر ما نراه ونشهده ونتخيله.احمد الشيخاوي/شاعر وناقد مغربيالكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 17-02-2017 08:11 مساء
الزوار: 1690 التعليقات: 0
table border="0" width="100%"> | ||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
الشاعر سعد ياسين يوسف يوقع مجموعته ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الإثنين 19-05-2025 |
«قراءات شعرية» لعلي القحطاني في «خورفكان ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 25-04-2025 |
لمحة عن كتاب «روافد الإيقاع الداخلي في ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الأربعاء 23-04-2025 |
تقنيات التجريب وتمثيلاتها في تجربة فخري ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الخميس 12-12-2024 |
رؤيا في رواية «البحر الأسود المتوسط» ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الثلاثاء 10-12-2024 |
المكان الفلسطيني في رواية «لقاء البحر» ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 15-11-2024 |
"التشكيل الأسلوبي" يسرد الصورة ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 25-10-2024 |
«البحر الأسود المتوسط» لهزَّاع البراري.. ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
إضاءة على رواية مدينة التين الأزرق ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 27-09-2024 |
لمحة عن كتاب «البحر الأسود المتوسط» ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الخميس 19-09-2024 |
جماليات المكان التي ملأت الدنيا وشغلت ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 31-05-2024 |
يحيى القيسي في روايته «باب الحيرة»: رحلة ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | السبت 25-05-2024 |
الخفاء والتجلي في ديوان «عاشق وكفى» ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 23-02-2024 |
العدوان في «موت لا أعرف شعائره».. ... | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الجمعة 03-11-2023 |
المختارات الشعرية «الناسك» لمحمد خضير | النقد والتحليل الادبي | مراقبة التحرير والنشر | 0 | الخميس 13-07-2023 |
|
|
|