ويشير منصور إلى أن كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، إلى أن ما يزيد من أهمية هذا الكتاب هو ارتباطه بالزمن الراهن، حيث لا يكتفي بتوثيق الماضي فحسب، بل يتناول الأحداث الأخيرة التي تعكس استمرار المعاناة، ويكشف عن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية في سياق عالمي معقد، تتقاطع فيه السياسة والاقتصاد، والإنسانية مع الصراعات الكبرى.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب، يضم كل باب منها مجموعة من الفصول التي تتناول محطات رئيسية في تاريخ فلسطين، بدءا من أواخر العهد العثماني، مرورا بفترة الانتداب البريطاني، وصولا إلى النكبة العام 1948 وما تلاها من محاولات للبناء والتحرير.
في مقدمة الكتاب، يوضح المؤلف جوني منصور أن فلسطين ليست مجرد قضية صراع، بل هي أرض شهدت تعاقب حضارات وتحديات عبر العصور التاريخية المختلفة. فعلى هذه الأرض جرت أحداث كبرى شكلت مسيرة أمم وشعوب، وكان لها دور مركزي في صياغة تاريخ المنطقة بأسرها. وتحتل فلسطين مكانة خاصة في وجدان العرب والمسلمين والمسيحيين عموما، ولدى أبناء الشعب العربي الفلسطيني على وجه الخصوص.
ويؤكد المؤلف أن كتابه يتناول تاريخ فلسطين وشعبها منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم، مرورا بمحطات تاريخية مفصلية أسهمت في تشكيل وعي الفلسطينيين بتاريخهم، وحضارتهم، وتراثهم، كما أسهمت في ترسيخ وعيهم الوطني للدفاع عن وجودهم وكيانهم وثرواتهم. وقد عكس هذا التاريخ، من زوايا متعددة، صمود الشعب الفلسطيني ومحاولاته الجادة لتثبيت بقائه على أرضه وفي وطنه، رغم ما تعرض له من مآسٍ بلغت ذروتها العام 1948، وهو العام الذي يُعرف في الذاكرة الفلسطينية بـ"عام النكبة".
ويرى منصور أن العودة إلى الماضي تحمل في طياتها التذكر، واللوعة، والحسرة على ما مضى، لكنها تسعى في الأساس إلى تحفيز القارئ والباحث والمطلع على اكتشاف الذات، وفهم مجريات الأحداث والتحولات التي وقعت. فهذه العودة، في جوهرها، تمثل تحضيرا لانطلاقة ثابتة ومدروسة نحو فهم الحاضر واستيعاب مساراته، وهي تمهيد لمواجهة تحديات المستقبل.
كما يشير إلى أن تاريخ فلسطين المعاصر هو في جوهره تاريخ قضية شعب، وليس مجرد تسلسل لأحداث عابرة. فقد تعرض الشعب الفلسطيني، منذ القرن التاسع عشر، لغزو استعماري تدريجي بالغ الخطورة، تبعته عمليات اقتلاع وتشريد وترحيل واحتلال، دفع ثمنها أبناء هذا الشعب على امتداد الحقبة الزمنية التي يتناولها الكتاب.
وكان على الشعب الفلسطيني، أفرادا وجماعات ومؤسسات، مواجهة هذا الغزو الذي تعرض له، والذي أدى إلى تمزيقه وتفتيته وتشريده في العديد من البلدان المجاورة. ويعد تصدي الفلسطينيين لهذه المخاطر، بكل أشكالها، مسألة مصيرية بالنسبة لهم، كما هو الحال بالنسبة للأمة العربية جمعاء؛ إذ كان الشعب الفلسطيني ضحية مؤامرة دولية كبرى، تمثلت في انتزاعه من وطنه وإحلال شعب آخر مكانه، تحت ذرائع دينية وسياسية واقتصادية واهية للغاية.
ويرى المؤلف أنه مهد لهذا العمل بعرض تاريخي موجز لفلسطين منذ فجر التاريخ وحتى القرن التاسع عشر، وهو القرن الذي بدأت فيه فلسطين، ومعها البلدان المجاورة، تشهد سلسلة من التحولات والتغييرات العميقة. وقد تواصلت هذه التغيرات وصولا إلى القرن العشرين، الذي شهدت فيه فلسطين أحداثا جسيمة، كان أشدها وقعا نكبة العام 1948، وفقدان الشعب الفلسطيني لأرضه في سياق مشروع استيطاني استعماري إحلالي، قادته الحركة الصهيونية بدعم من قوى استعمارية غربية كبرى، مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
ثم انتقلنا إلى مرحلة مفصلية في تاريخ فلسطين والشعب الفلسطيني، وهي مرحلة الاستعمار البريطاني بين العامين 1918 و1948، حيث تم تنفيذ المشروع الصهيوني الرامي إلى إقامة "وطن قومي يهودي" في فلسطين التاريخية، أطلق عليه لاحقا اسم "إسرائيل"، وذلك على حساب تهجير ما يقارب 800 ألف فلسطيني، تحولوا إلى لاجئين ومشردين عن أرضهم وبيوتهم.
يقول منصور "يتابع كتابنا تسليط الضوء على المَلمح الفلسطيني بعد العام 1948، عبر مسارات متعددة تتعلق بالانتشار الجغرافي للفلسطينيين، والذي كان نتيجة مباشرة لما خلفته النكبة من تشتيت وتهجير. ففي المسار الأول، تناولنا أوضاع فلسطينيي الداخل، أي من تبقى من الفلسطينيين على أراضيهم ضمن دولة إسرائيل، ويعرفون اصطلاحا بـ"فلسطينيي الـ1948". وفي مسار آخر، تطرقنا إلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسورية والعراق ومصر. أما المسار الثالث، فخصصناه للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي سكانها الأصليين".
ويضيف "كذلك تطرقنا إلى الفلسطينيين في الاغتراب، أو ما يصطلح على تسميته بـ"الشتات"، وهو موضوع يحتاج إلى المزيد من الدراسة الموسعة والمخصصة، نظرا لما أصبح للحضور الفلسطيني في الخارج من تأثير واضح. فقد تابعنا في الآونة الأخيرة الدور البارز الذي لعبته الجاليات الفلسطينية في أوروبا والأميركتين، من خلال مناصرة المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وتحريك الشارع العام، وطلاب الجامعات، ومجموعات واسعة من الداعمين الدوليين للنضال الفلسطيني، من أجل التحرر من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
يضاف إلى ذلك تناوله عددا من القضايا التاريخية والسياسية والنضالية المرتبطة بتشكل الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلة اللجوء، ومحاولات تنظيم الصفوف الفلسطينية من خلال أطر نضالية ومقاومة، وصولا إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني.
ويتابع "كما تناولنا في سياق الكتاب جوانب اقتصادية وتعليمية وثقافية كان لها حضور بارز في حياة الفلسطينيين، وأسهمت في تشكيل هويتهم الفردية والجماعية، سواء داخل الوطن أو في المنافي. وإن كانت موضوعاته محدودة نسبيا، لا يمكن نتجاهل الحرب الإبادية التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023، وما تبعها من عمليات عسكرية وقمع ممنهج في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، لا سيما في القسم الشمالي منها".
ويقول المؤلف "قد شكل حدث 7 أكتوبر 2023 لحظة كاشفة، عرت مواقف العديد من الأنظمة والحكومات والهيئات الدولية، وحتى الشركات التجارية والمؤسسات الثقافية، من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. ومن هنا، رأينا أنه من الضروري معالجة هذا الحدث ليس فقط من زاوية التعاطف الإنساني، بل من خلال تحليل الاصطفافات السياسية والاقتصادية والمالية والفنية، حيث وقفت أطراف متعددة حول العالم إلى جانب إسرائيل، في حين أبدت أطراف أخرى دعمها للمقاومة الفلسطينية، ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضد الاحتلال والقمع والسياسات الإبادية التي تمارسها إسرائيل".
وخلص المؤلف إلى أنه، من خلال هذا الكتاب، حاول أن ينقل فكرة مركزية واحدة، وهي أن الشعب الفلسطيني، رغم ما تعرض ويتعرض له من معاناة جسيمة، ما يزال متمسكا بثوابته التاريخية والإنسانية، وفي مقدمتها حقه في أرضه ووطنه. ومهما عصفت الرياح بالمواقف السياسية، يبقى للشعب الحق الأول والأخير في قول كلمة الفصل.