|
الشارقة: علاء الدين محمود يكاد «خط الثلث»، يكون هو القلم الأبرز والأشهر في العصر الراهن والأكثر استخداماً من قبل الخطاطين، خاصة «الثلث الجلي»، ذلك الساحر الذي مكَّن الفنانين والمبدعين من صناعة أعمال مذهلة وذلك لأنه يحمل إمكانيات كبيرة ويتيح فرصة الإبداع بحرية في اللوحة الخطية من خلال التعامل مع الحروف وتكوينها من حيث الاستدارة والتناظر والتقابل وكذلك علامات الإعراب والتشكيل وإمكانية الزخرفة والتذهيب وغير ذلك من سمات تميز بها قلم «الثلث الجلي»، مما يمكن الفنان من صناعة مشاهد بصرية شديدة الجمال. ولعل لحظة «الثلث الجلي»، مثلت بلوغ المجد والإبداع الجمالي بالنسبة للخطاط والمشاهد في ذات الوقت، بما يوفر من ألق بصري مستمد من طريقة تكوين مشهد العمل نفسه، بحيث صار هذا القلم يمثل حالة إلهام بالنسبة للخطاطين، لذلك يبدو مشروعاً ذلك الحديث الذي يدار عن أن هناك توجهاً كبيراً نحو «الثلث الجلي» دون غيره وبطبيعة الحال فإن تلك الكثرة لا تغني عن الجودة التي هي أساس كل شيء، فلا يمكن الحديث عن الإبداعات والابتكارات في مجال هذا الخط دون ذكر أسماء لخطاطين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس وصنعوا لوحات خلدت في ذاكرة محبي هذا الفن في الشرق والغرب، فهناك أعمال تجذب المشاهد من أول نظرة لدقة تفاصيلها والبراعة الإبداعية التي بذلت فيها. ومن ضمن هؤلاء الذين قدموا أعمالاً خطية شديدة التميز هو الفنان والخطاط والخبير والمحكم الدولي الخطاط العراقي مثنى العبيدي الذي قدَّم الكثير من الأعمال المميزة، خاصة تلك التي استخدم فيها قلم الثلث، فكان أن أصبح من أفضل المعاصرين الذين برعوا في استخدامه ودائماً ما تكون لوحاته مثار اهتمام كبير من قبل المشاهد العادي والنقاد والمهرجانات والملتقيات الخطية، وذلك للبذل الإبداعي الكبير الذي يسكبه هذا الخطاط في تكويناته وأعماله ولوحاته. ومن هذه اللوحات الخطية التي لقيت رواجاً كبيراً للعبيدي، تلك التي تحمل نصا قرآنياً وهو الآية رقم «103»، من سورة الأنعام والتي جاء فيها: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ»، وهو النص الذي يحمل الإشراقات الروحية والدلالات والمعاني العظيمة عن قدرة الله تعالى، حيث يحيل النص إلى عوالم من الألق والجمال يريح النفس ويسرب السعادة إلى قلوب المؤمنين. وعمل الخطاط على مقابلة تلك الروحانيات الغامرة في النص، باجتهاد إبداعي يعزز الحالة الوجدانية من خلال سكب عصارة تجاربه الفنية في صناعة عمل مميز لا يكتفي فقط بالبعد الجمالي الكبير والمشهد البصري البديع من خلال الاستفادة من توظيف إمكانيات وقدرات الثلث الجلي، بل ويحرض الناظر على التأمل والتدبر في معاني الآية الكريمة، وذلك هو هدف أي خطاط، أن يصنع لحظة جمالية متوهجة ويترك للقارئ أن ينظر إلى ما خلف ذلك من معانٍ عظيمة يجب على المسلم أن يتوقف عندها ويدركها. ولعل المتأمل في هذه القطعة الفنية البديعة، سيلاحظ تلك الدقة التعامل مع الكلمات والأحرف من حيث المد والاستدارة بشكل هندسي مبتكر، وكذلك ذلك التناغم والانسجام والتناظر بين الحروف مما يجعل المشهد في اللوحة بمثابة حالة تسحر الأعين، حيث عمل الخطاط على تعميق تلك الحالة الجمالية من خلال صناعة برواز داخل برواز وبينما يكون النص في المنتصف باللون الأسود والخلفية باللون الأصفر، فإن هناك لمسات جمالية آسرة مثل الزخرفة والتذهيب قام بها الفنان خارج البرواز والهامش. مثنى العبيدي مولود في عام 1972 وحصل على الدكتوراه الفخرية في الفن الإسلامي من كلية دار السلام في إسطنبول 2016 عن بحث «البيان في خط القرآن»، عمل مستشاراً في مؤسسة الملك فيصل للدراسات الإسلامية وترأس قسم التصاميم الإسلامية لشركة «سكوادرا»، الإنكليزية للمعمار الهندسي في لندن وشغل عدداً من الناصب، وكان عضواً في لجنة فرز الأعمال في ملتقى الشارقة الدولي للخط عام 2010، وحصل على العديد من الجوائز منها: جائزة الفن الكلاسيكي في ملتقى الشارقة الدولي للخط سنة 2009، كما نال الجائزة الأولى في مسابقة البردة للخط العربي بخط الثلث في أبو ظبي لعام 2009. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 30-05-2025 10:46 مساء
الزوار: 37 التعليقات: 0
|