|
الشارقة: علاء الدين محمود جاء الكتاب في 141 صفحة، ويشتمل على الأوراق الخمس التي شارك بها النقاد والتي تحمل عناوين «تطور اللسان والاختلاطات الثقافية»، و«الصورة واختلاف دلالاتها في لغة الشعر العربي»، و«تطور المستوى الصرفي في لغة الشعر العربي»، و«تطور البنية اللغوية»، و«المفردة من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث»، كما يضم الكتاب عدداً من المراجع والأبحاث وهوامش للشرح. ومادة الكتاب ترتكز على ندوات ومحاضرات قدمت في مهرجان الشارقة للشعر العربي لذات سنة صدور هذا المؤلف الشامل، كما أن الأوراق والبحوث التي قدمها النقاد: البروفيسور محمد عبد الرزاق المكي، ود. سماح حمدي، ومحمد العثمان، ود. عبد الله المعطاني، ود. ناصر شبانة، اتسمت بالجهد النظري والبذل الفكري المتعمق من أجل مواكبة التطورات اللغوية في الشعر، وللوقوف على أبرز التحولات بمفاهيم مستحدثة ذات نزعات منهجية عبر حركة التاريخ، حيث إن الهدف هو تحليل المكونات اللغوية في الشعرية العربية بشكل متقارب. ولعل ذلك الجهد يصب بصورة كبيرة في نفي أن تكون لغة الشعر العربي جامدة أو منكفئة، بل هي متحركة ومتحاورة ومستوعبة للثقافات. الكتاب يضيف إلى المؤلفات النادرة التي تبحث في لغة الشعر العربي، مع مكانة هذا النوع الإبداعي الذي يمتلك مكانة خاصة في التاريخ والحاضر العربي إلى حد أن أُطلق عليه ديوان العرب، وهو مازال يحتفظ بذلك المركز الفريد، لذلك من المهم جداً أن تكون هناك كتابات ومؤلفات ورؤى نظرية حوله، خاصة فيما يتعلق بمسألة اللغة. وتتصدر الكتاب مقدمة بعنوان «لغة الشعر وتحولاتها»، لمحمد عبد الله البريكي حيث يشير فيها إلى أن لغة الشعر تتشكل في إطارها المعرفي، عبر تراكمات تضعها على مر الزمن قابلة للاختبار والتحليل، فالمؤشرات التراكمية لهذه اللغة، لها دلالة واضحة على أنها تتطور وفق الظواهر الأدبية التي تأسست عليها، والتي تخضع للتحديث بحكم التحول الزمني وعوامل النمو، بما يجدد أبنيتها وتراكيبها بحسب أنساقها المعرفية عبر التاريخ، فالصورة الشعرية في زمن الجاهلية اختلفت تماماً في العصور التي تلت العصر الإسلامي، بحكم منجزات اللغة الملموسة في تاريخ العربية، وقد اتضحت تلك المعالم المتغيرة في جوهر اللغة الشعرية وفق الحقائق الراهنة، والتي مكنت النقاد وعلماء اللغة من دراسة مرتكزاتها، وأسباب تطورها وحيويتها في مضمار تجددها وفق شروط الإبداع، وكذلك وفق منظومتها التي أظهرت صورتها الكاملة عبر العصور الماضية إلى وقتنا هذا. واللغة الشعرية تنبثق من بلاغة النصوص التي كتبها الشعراء عبر الزمن، فكل عصر له معالجاته وإجراءاته التي لا تقف عند حدود، وهذه اللغة أحرزت تقدماً، ويظهر ذلك من خلال الاستعمالات اللغوية المتداولة، بما يبرز الخصائص التواصلية الجمالية التي حصرها النقاد، ومن ثم مقاربتها بمفاهيم تتلاءم مع التحولات في الأفق الزمني، فقد قدمت الكثير من الأبحاث في الفكر المعاصر تصورات تكشف تغير أشكال اللغة وعلاقاتها بأشكال التعبير عبر العصور المختلفة، من خلال أطر منهجية صحيحة، كانت وما زالت مهمتها الأساسية الاستفادة من علوم اللغة وطابعها الحركي، وديناميكيتها المتغيرة في فلك تأويل الدلالات، وخواص الأبنية الصرفية والصوتية، والفروق الأسلوبية، ودرجات التعقيد والتبسيط بحسب فوارق المجتمعات ونمطيتها، بما يرقق اللغة أو يسبغ عليها قدراً أوفر من التحديث والتطور في كل الثقافات اللاحقة، وهذا ترك مخزوناً في الذاكرة العربية بملامحه الإشكالية التي تحدد التأثيرات المعرفية للغة الشعر، وتبيان وظائفها بهدف استخلاص بعض البحوث التحليلية الجديدة في هذا الإطار. ومن أبرز الإسهامات في هذا الكتاب، ذلك المجهود النظري الذي اتسم بالتنقيب والذي قدمه محمد عبد الرزاق المكي بعنوان «تطور اللسان والاختلاط بالثقافات»، حيث يغوص في قضية علاقة العربية كلغة باللغات الأخرى، حيث نشأ ما يعرف بالأسلوب المولد في اللغة كنتاج للصراع اللغوي بين العربية ولغات أخرى، سواء اللغات الوطنية القديمة للموالي الذين أسلموا، أو اللغات المحلية للأمم المفتوحة، وعلى الرغم من انتصار العربية، فإنها لم تخرج سالمة من تلك المعارك التي خاضتها مع اللغات المحلية، إذ إن اللغات الوطنية القديمة كانت سائدة في الوديان والسهول في كل مكان، مثل القبطية في مصر، واللهجات الآرامية في سوريا وما بين النهرين، وحتى في المدن لم تكن الكلمة العليا للعربية، ففي مدن العراق حتى الجديدة منها كالبصرة والكوفة- كانت الفارسية سائدة بين الطبقات الدنيا، ويبدو أن الصراع بين العربية والروافد الأخرى التي غذت الأسلوب المولد، قد بدأ منذ وقت مبكر، إذ أدرك الأمويون بفطرتهم العربية السليمة منذ القرن الأول، خطر نمو هذا الأسلوب المولد على حياة العربية الفصحى، فتحمسوا أشد التحمس لمبدأ تنقيتها من اللحن والألفاظ الدخيلة عليها، وكان الخلفاء يبعثون بأبنائهم إلى البادية ليُنَشّؤوا على تعلم اللغة الفصيحة في القبائل العربية الأصيلة، ومما يرتبط بذلك أيضاً هذا الموقف الصارم، الذي اتخذه اللغويون إزاء تلك الظاهرة، حين حددوا ضوابط للاحتجاج اللغوي، وأخرجوا شعر المولدين من اللغة الفصيحة، وعليه فليس من عجب أن يعرف السيوطي التوليد بأنه «ما أحدثه المولدون الذين لا يحتج بألفاظهم». وحمل الكتاب كذلك أطروحة فكرية ذات أبعاد جمالية للدكتورة سماح حمدي، بعنوان «الصورة واختلاف دلالاتها في لغة الشعر العربي»، أوضحت خلالها أن مصطلح الصورة الشعرية يُعد من أهم المصطلحات التي عالجها الباحثون في دراساتهم قديماً وحديثاً، ذلك أنها ركن أساسي من أركان العمل الأدبي، ووسيلة الأديب الأولى التي يصوغ من خلالها تجربته الابداعية، وهي كذلك الوسيلة المناسبة للناقد، ليقيم الأعمال الأدبية، فالصورة الشعرية هي جوهر العمل الشعري وأساسه الرئيسي ومصدر جمالياته، ذلك أن قدرة الشاعر على الابتكار والخلق تتركز فعلياً في الصورة أكثر مما تتحقق في أي عنصر آخر، من عناصر النص الشعري، وقد ظلّ لمفهوم الصّورة الشعرية حضوره الطاغي في عقلية الناقد العربي قديماً وحديثاً، فالشعر هو من الفنون الأدبية التي تعكس ما يعتمل في وجدان المبدع من أحاسيس مختلفة، وما عاشه من تجارب يصوغها في قالب لغوي متميز، يُحدث في المتلقي أثراً بالغاً، بفضل طرائق التعبير التي يعمد الشاعر لتوظيفها، لإضفاء مسحة جمالية على شعره، معتمداً على ما يحظى به من خيال خصب وقدرة على الإبداع في التعامل مع الألوان البيانيّة. الكتاب، رغم حمولة مواده العلمية والفكرية، إلا أنه اعتمد كثيراً على فكرة الطرح البسيط الذي يفهمه القارئ بمختلف مستوياته، إذ تميزت مواضيعه بالقدرة على النفاذ إلى القضايا المثارة مع نوع من المتعة الكامنة في المقدرة على تفكيك وتأويل الظواهر المتعلقة بالشعر ولغته. «اللغة الشعرية تنبثق من بلاغة النصوص المكتوبة عبر الزمن». «اللغة العربية متحركة بالرموز والصور والانزياحات والكناية والتورية». «الشعر الجاهلي ثمرة حضارة الأمم السامية القديمة». «عرف العرب الاقتراض اللغوي قبل الإسلام». «الاشتقاق والنحت والتوليد انعكس بشكل إيجابي في تطور اللغة». «الصورة جوهر العمل الشعري وأساسه». الناشر: دائرة الثقافة في الشارقة الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 28-04-2025 09:24 مساء
الزوار: 39 التعليقات: 0
|