عمان- ضمن سلسلة فكر ومعرفة صدر عن وزارة الثقافة كتاب بعنوان “صورة المرأة في السرد النسوي الأردني”، للباحث نايف النوايسة، يعالج فيه إشكالية المرأة في الحياة والمتمثلة في مطالبتها الحثيثة بحقوقها التي تهضمها مجتمعات، وتسلبها قيمتها كشريك رئيس في بناء الحياة السوية واستمرارها على النحو الذي يليق بالإنسان المتحضر.
ويرى المؤلف أن صورة المرأة في الأدب العربي عموماً، وفي الأدب الأردني على وجه الخصوص تشير إلى منزلتها العالية في السرد النسوي عامة، وهذا الأمر يفتح الباب على مصراعيه أمام حركة الأدب النسوي رغم خطورة إطلاق هذا المفهوم، وتصدي بعض الباحثين له وردِّه إما لقصور المرأة في أن يتسمّى باسمها هذا المفهوم، أو يذهبَ بعضُهم إلى أن الأدب في معناه العام هو اتجاه يشمل الرجل والمرأة على حد سواء.
ويقول النوايسة في هذا الكتاب “قرأت بعضَ الروايات ومجاميعَ قصصٍ قصيرة لأديبات أردنيات بالإضافة إلى أديبة عربية مصرية حيث رصدت قضايا المرأة المصرية التي أراها صنو المرأة الأردنية”، مبينا أن الأديبات الأردنيات اللواتي تناولن موضوعة المرأة من زوايا إبداعية ذات نكهة جمالية وبتفاصيل دقيقة قد تخفى على الرجل؛ فمنهن الأديبة “نسرين أختر خاوري”، في مجموعتها “بين الحضور والغياب”.
في هذه المجموعة تناولت خاوري مفهوم المرأة الشرقية، وأماطت اللثام بلغة سهلة وتفاصيل ذكية سابرة عن جوانب مهمة مما يشغل بال المرأة والرجل على حد سواء، وعرضت الكثير من التجارب النسائية في قصصها، وكأنها بهذا العمل تسعى لأن تضع تجربتها كأديبة من أديبات المهجر أمام البحث والحوار عند فتح ملف الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب.
ويعتبر المؤلف أن الروائية والقاصة والناقدة الراحلة رفقة دودين نحت المنحى نفسه في روايتها “سيرة الفتى العربي في أمريكا”، حين تضع قضية المرأة على الطاولة للبحث وربطها بالقضية، وتدخل دودين الحرملك وتبعثر أشياءه كي تضع القارئ أمام أسئلة المرأة التي تؤرق الجميع حتى وإن لم تَطرح حلولاً، فلها الفضل في هذه الجرأة التي دفعتها إليها القضية الفلسطينية دون إبطاء، مبينا أن دودين لم تبتعد عن رؤيتها الشاملة بخصوص المرأة سواء كتبت رواية أو قصة أو مارست العمل العام، وقد لمحتُ هذا الأمرَ في قصتها “قلق مشروع”، في مجموعتها القصصية التي حملت الاسم نفسه.
ويقول المؤلف إن الروائية “سميحة خريس”، استوقفته في روايتها “يحيي”، لذلك قام بعرضها بأكملها وتحليلها، ثم الإمساكَ بخيط المرأة ودورها في الرواية، وتبين له أن دور المرأة فيها لم يكن ثانوياً وإنما أرادته خريس أن يكون ضابط اتزان من بداية الرواية حتى تصفية يحيي، وسنجد في الرواية أخته مريم بدورها المحوري لإنقاذه من الهلاك مرات عديدة، اما رواية “الصحن”، فهي تعد من أهم أعمال الروائية خريس لدقة خيوطها والفنية العالية في حبكتها إلى درجة لافتة، فقد جمعت خريس في هذه الرواية كل المتناقضات التي تعتري المؤسسة الأسرية وما يقع فيها من ظلم يصيب المرأة، وأجادتْ في أسلوبها الذي بنتْ بموجبه الرواية.
ويرى النوايسة أن المؤرخة والقاصة “هند أبو الشعر”، فلها رؤية ثاقبة اتجاه قضية المرأة في مجموعتها القصصية “عندما تصبح الذاكرة وطناً”، ففي قصص المجموعة وقفة كرامة أمام من يريد بالمرأة الارتداد إلى الخلف، وتنتصر أبو الشعر لها؛ أمّا وزوجة أو حبيبة أو مناضلة، فضلاً عن انتصارها للوطن وقضية فلسطين والحب.
بينما ترفع كما يشير المؤلف الروائية “ليلى الأطرش”، بيانها الحضاري المنصف للمرأة في روايتها “ليلتان.. وظل امرأة”، مبينة دور العُقد النفسية والصراعات النسائية في تحطيم البنية الفاعلة داخل الأسرة، فالصراع بين الحماة والكنة، وبين الشقيقتين منى وآمال بعد أن تم تحييد دور الرجل، لا بل تظهر الروائية قضية مهمة هي الدور التحطيمي للرجل إذا تدخل لمعالجة بعض المشاكل الأسرية، وكل ما دار في الرواية يكشف عن الانحرافات المدمرة لكيان الأسرة وإبعادها عن دورها الرئيس في المجتمع، فالروائية إذ تفكك ما يجري في أسرة الأشهب تؤشر بطريقة غير مباشرة إلى الأسرة الأنموذج القادرةِ إيجابيا على إحداث التماسك والفاعلية المنشودين لسلامة المجتمع وتوجيه قدرات أبنائه التوجيه الأمثل.
ويرى النوايسة أن رواية “وقتلت مرتين”، للروائية “سماهر السيايدة”، فهي رواية المرأة بامتياز، وقد توضحتْ فيها صورة المرأة المضطهدة المظلومة بدقة متناهية، فالكاتبة تعرف ما تريد وإلى أين تنتهي، واجتازت الروائية الحدود بشخوصها وأحداثها لتحلّق في فضاء عربي واسع؛ في تفاصيله المأساوية والدموية، وكانت ياسمين الشخصية الرئيسة المُحرِّكة لأحداث الرواية من سورية إلى لبنان وفلسطين ومصر والأردن.
ويتناول المؤلف المجموعة القصصية “قبل الأوان بكثير”، للقاصة “بسمة النسور”، التي اتسمت بسرعة انصبابها بدون تعثّر في لغة القص وفنياتها، فضلاً عن تميزها في القدرة على محاصرة خبايا النفس بدون تلكؤ.. ووضعتنا أمام أوجاع المرأة وقلقها وخوفها من الملل والوحدة ورغبتها المطلقة في الانعتاق من أي قيود ثم انعطافتها الحادة نحو الرجل لتصحيح مسار الحياة المشتركة دون أن ينفرد أحدهما بقراره الأحادي.
ويرى النوايسة أن قصص “هدى فاخوري”، “حديث المرايا والكوابيس”، أولاً: “في مراياها”، تميزت بالقدرة على الكشف عن عمق ما يختلج داخل النفس الإنسانية، وإن أهم ما يمكن أن يُحصّله الإنسان في هذه الحياة هو الحب النابع من القلب والمرتسم ابتساماً على الوجه، وثانياً: في “كوابيسها”، وقد خرجت من دائرة الرعب، لتقول لنا “إن الإنسان مسكون بعوالم أخرى تعيش معه وتراقبه ولا يملك القدرة للسيطرة عليها إلاّ إذا عاش طبيعته الحقيقية متسلحاً بالصدق والأمل والتصالح مع الذات وعدم الوقوع في فخ الزينة والتطلع الزائف”.
ويشير المؤلف إلى أن القاصة “مجدولين أبو الرب”، لم تبتعد كثيراً عن غيرها في تبنّي قضايا المرأة وعكسها بأسلوب فني على سوية جمالية رفيعة، وكشفت لنا في مجموعتها القصصية “الأدرد”، عن طبيعة شخصياتها النسوية، فقد امتلكت الإحاطة الأدبية المكينة لسبر أغوار هذه الشخصيات والتسلل إلى أعماقها وملاحقتها دون فتور؛ فوقفت من خلال نماذجها النسائية على أوجاع المرأة: الساذجة غير المتبصرة، والسيدة الفقيرة والمرفهة، والبنت المنبوذة في أسرتها، والأرملة الذكية الحكيمة، والمرأة العاشقة لوطنها، والمرأة التي تجاوزت العفة لترتكب الرذيلة.
ويرى النوايسة أن المجموعة القصصية “الرحيل طقوس أخرى”، للقاصة “حنان باشا”، فهي كما هن الأديبات في ارتياد المجالات المختلفة التي تَظهرُ فيها المرأة؛ فقصصها بالكامل تحوم حول الشأن النسوي وتعكس ارتعاشاته وهمومه ابتداء من الأم والزوجة والابنة والأخت، والمرأة العفيفة والأديبة العاقلة والعاشقة المولّهة.
أما الاديبة العربية المصرية “أميمة منير جادو”، ففي مجموعتها القصصية “خنجر في قلب البراءة”، يوجد مشروع نسوي حضاري، حشدت له طاقتها كي تُظهر حقيقة ما تعانيه المرأة المصرية؛ فأظهرت أزمة المرأة المتعلمة “الطبيبة والأكاديمية والأديبة والصحفية”، التي تعيش في وسط مجتمعي غارق في الجهل أو البؤس أو الظلم ونحو ذلك، وكانت مهمة القاصة جادو تعرية خبايا هذه الأوساط وفضح بؤر العفن فيها دون أن تطرح حلولاً لجملة الأزمات التي تعصف بالمرأة، وتركت الباب مفتوحاً للنظر وإبداء الرأي، واسترعى انتباهي في مجموعتها القصصية قدرتُها الفائقة في توظيف تجاربها الشخصية في الحياة لتزيد من عمق القصة في مضمونها وجماليتها ولتبرز صورة المرأة من زوايا عديدة بشفافية عالية وبراءة في الطرح.
بينما توسعت وفق النوايسة، القاصة “رائدة زقوت”، في مجموعتها “وشوشات قلم أحمر”، في تقصيها لهذا الموضوع وإجراء كشف حساب في ما يهم قطبي الحياة/ الرجل والمرأة، وبيان ما يريده الرجل من المرأة، وما تود أن تحققه في علاقتها مع الرجل، وتبين الفجوة بين الاثنين الناتجة من مسيرة شوهاء في بعض وجوه الحضارة الإنسانية.

جريدة الغد الاردنية