|
|
|||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | |||||
التراث العربي من خلال رؤية علميّة وعالمية.. إضاءات عبر تجربة متحف التُّرَاثُ
مِنْ عَبَقِ التُّرَاب من بير السبع إلى باريس إ عداد: نضال برقان استطاعت الدكتورة حَلِيْمَة عَايِد الترابين (1894 - 2014)، تجديد مسيرة «متحف تراث مِن عبقِ الترابِ»، وهو أولَ مُتحفٍ خاصٍ في مجالِ التراثِ الفلسطيني، من خلالِ رؤية علميّة، وعالميّة، إذْ كرست شبابها لدراسة الطب العربي والبدوي والسفر من أجل الارتقاء بمعرفتها، وقد سافرت إلى عدد من المدن العربية، قبل أن تتابع دراستها في كلية الطب في إسطنبول، وهي المدينة التي التقت فيها بالعديد من الطلاب الدوليين، بالإضافة إلى الجراحين والموسيقيين والفنانين والكتاب والمعماريين، من خلال تلك اللقاءات اكتسبت معرفة لا تقدر بثمن، وأفكارًا عاشت بها طوال حياتها، كما لاحظت أن العديد من معاصريها من الطلاب الأوروبيين كانوا يفتقرون إلى فهم عميق للفلسطينيين والعرب في بلاد الشام وتراثهم الثقافي الغني. منذ عام 1910م إلى 1916م، كان الدكتور أحمد منيف عثمان محمد عايد الترابين (1886-1962م)، ابن عم الدكتورة حَلِيْمَة عَايِد الترابين الأكبر، يزورها بشكل متكرر في إسطنبول، كان شخصية طبية بارزة في سوريا وعضوًا في الفرع الفلسطيني المصري من العائلة التي استقرت في سوريا عام 1831م، ولد في دمشق عام 1886م، وتخرج من المعهد الطبي العثماني قبل تخرج ابنة عمه في عام 1907م. شارك الدكتور أحمد منيف عايد الترابين نصائح علمية قيمة مع الدكتورة حَلِيْمَة عَايِد الترابين حيث قدم لها معلومات عن الكتب والمعلمين وتقنيات الجراحة، وتبادلا تجاربهما الطبية، حيث ناقشت حَلِيْمَة الطب البدوي من النقب، ومصر وفلسطين، بينما شارك الدكتور أحمد منيف معرفته بالطب الحديث من القسطنطينية وسوريا، انخرطا في تحليل ثقافي متبادل وناقشا سبل تقديم الثقافة الفلسطينية والعربية للجمهور لدى الشعوب القارة الأوروبية عن طريق إرسال ممثل للعائلة إلى الخارج، تركت هذه المناقشات انطباعًا دائمًا لدى حَلِيْمَة، التي قامت بتطبيق هذه الأفكار من خلال تعيين أحد أفرادها لتمثيل متحف «التُّرَاث مِنْ عَبَقِ التُّرَاب» وتعزيز الثقافة الفلسطينية والعربية في الخارج، وقد تمكنت من البدء من تحقيق ذلك بعد ثمانين عاماً، ففي سبيل إعادة إحياء رسالة عائلتها، اختارت الدكتورة حَلِيْمَة أحد أحفادها ليواصل تطوير المتحف، ليس فقط محليًا، بل على المستوى الدولي، حتى قبل ولادته، قررت أن تتولى تربيته بنفسها، وزرعت فيه التفاني العميق لحفظ التراث الثقافي الفلسطينيين وخاصة تراث النقب المنسي من أجل الأجيال القادمة. كما أرسلته في بعثات تدريبية إلى عائلات مسلمة ومسيحية وسامرية في مختلف أنحاء فلسطين، ليكتسب فهمًا أصيلًا للثقافة والهوية الفلسطينية، ونتيجة لذلك، ترسخت في نفسه قيم احترام وتقدير تقاليد الديانات الثلاث. وضعت جدته قاعدة فريدة له حيث لم يسمح له بمصاحبة أي شخص يقل عمره عن 100 عام حتى يبلغ العاشرة من عمره، بهدف التعلم من أكثر الناس حكمةً ومعرفة، كما منحته اسم متحف، تعبيرًا عن دوره المستقبلي كَسَادِن للتراث الثقافي الفلسطيني. علّمته الدكتورة حَلِيْمَة كيفية تحديد وتأريخ القطع الاثنوغرافية التي حفظتها منذ عام 1948م، بالإضافة إلى القطع التي فقدت لكنها بقيت محفورة في ذاكرتها. في عام 2000م، أعادت الدكتورة حَلِيْمَة افتتاح متحف «التُّرَاث مِنْ عَبَقِ التُّرَاب» في منطقة وادي الأردن – أريحا في منزلها، وعينت مَتْحَف عَايِدْ الترابين مديرًا له عندما كان في سن الطفولة . وبفضل مكانة المتحف، توسعت المجموعة المعروضة لتشمل قطعًا إثنوغرافية تبرع بها السكان المحليون بسخاء، كما وسّع مَتْحَف عَايِدْ الترابين معرفته بالتراث الفلسطيني من خلال التدفق المستمر للقطع الاثنوغرافية المضافة إلى المجموعة. ظلّت مهمة المتحف كما هي، حيث تجسدت فكرة التراث الحي عبر إعارة القطع الإثنوغرافية للمجتمع المحلي، وكان الحفاظ على الصحة والعلاج من الجوانب الأساسية لمهمة المتحف، وفي منزل المتحف، تم إنشاء مكان بحثي خاص بالطب التقليدي لدراسة وإجراء تجارب على النباتات، والأعضاء الحيوانية، والسموم، والمعادن، والتمائم... وهكذا، وانطلاقًا من إنشاء متحف «التُّرَاث مِنْ عَبَقِ التُّرَاب» في قرية غزالة في بئر السبع 1790م، أدت تظافر الجهود والمعتقدات الفكرية إلى تأسيس أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي في باريس عام 2022م، والتي أسسها الباحث الأكاديمي مَتْحَف عَايِدْ الترابين، وهو حفيد من الجيل السادس للدكتورة حَاكِمَة التي أودعت ثمارها ليكون بهذا الشكل الملهم لتحويل العلاقة بين البدو الفلسطينيين وثقافتهم المادية، إلى تأسيس علم المتاحف الفلسطيني، وهو نهج يجمع بين الحفاظ على التراث، والبحث، ومشاركة الخبرة والمعرفة لكافة أنماط المجتمعات المحلية والدولية، وقد مكّنتها قدرتها على الاستفادة من تاريخ قبيلتها الغني في الحكم، الخبرة الطبيّة، والالتزام الفكري، بالإضافة إلى تعرضها لأنماط الحياة المستقرة خلال دراستها في مصر، من إحداث نهضة في نهج البدو تجاه التراث والهوية، فقد نما علم المتاحف الفلسطيني من نهج قائم على الرعاية الوقائية والرفاهية إلى تخصص أكاديمي متأصل. اليوم، وبإدارة مَتْحَف عَايِدْ الترابين، تلتزم أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي بالحفاظ على هذه الاستمرارية التاريخية لدمج جميع التخصصات المتعلقة بعلم المتاحف الفلسطيني في إطار علمي منهجي أكاديمي موحد، حيث سيتوفر من خلالها مرجعًا أساسيًا للباحثين والجامعيين والخبراء والمهتمين، بهدف تعزيز فهم أعمق للتراث الفلسطيني في المجال الأكاديمي العالمي، وفي مواجهة الحاجة المتزايدة لرفع الوعي بتاريخ فلسطين، حيث قام الاتحاد العام للمؤرخين وعلماء الآثار الفلسطينيين بتعيين مَتْحَف عَايِدْ الترابين في سبتمبر 2024م، ممثلًا لهم في القارة الأوروبية، مما يعيد تأكيد دور عائلته الطويل الأمد كسدنة وممثلين للتراث الفلسطيني، لتكريم هذا الإرث، اغتنم مؤلفو هذا البحث الفرصة لبناء جسور الفهم والتعاون لتهيئة مستقبل يجمع فيه التراث والسلام والمعرفة المشتركة الجميع. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الإثنين 26-05-2025 11:39 مساء الزوار: 25
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
من هي مريم حمدان سكرتيرة تحرير مواقع ... | الأولى | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 25-05-2025 |
دراسة عن سيرة الشاعرة منية نعيمة جلال ... | الأولى | اسرة التحرير | 0 | الأحد 11-05-2025 |
مجلة "عاشقة الصحراء".. نبض ... | الأولى | اسرة التحرير | 0 | الأحد 04-05-2025 |