كُلَّمَا لاَمَسَت الْقَلَم تعربش الْيَاسَمِين عَلَى أَصَابِعِي وفاح عَطِرَة فِي الْأَوْرَاقِ حَامِلاً صَوْت قَوِيٌّ يُرَدِّد
دِمَشْق
اعْتَذَر يَا أَوْرَاقِي
فدموعي تُسْبَق أَبجَديتي
مَدِينَة الْيَاسَمِين الْآنَ هِيَ الْمَدِينَة الْأَكْثَر رُعْباً عَلَى الْإِطْلَاقِ
بَيْت الْأَشْبَاح يَا أُبَيّ
صَوْت الْمَوْت
رَائِحَة الجُثَث
مَدِينَة الْيَاسَمِين الْآن
دُمُوعُهَا تزرِف دَمِ الشَّهِيدِ
لَا أَدْرِي يَا أُبَيّ
أَكْتُبُهَا أَم إنَّنِي أَرثيها
اصفها أَم إنَّنِي أُعاتبها
كَيْف سَأَكْتُب يَا أُبَيّ
وَفِي التُّرَابِ تَمْتَزِج الضَّحَايَا
وَفِي الْمِيَاه تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ
فِي كُلِّ صَوْتٍ قَهْقَهَة يَرِد الصَّدَى بَاكِياً
دِمَشْق
رَأْسِي مُحَاصِرٌ بشظايا الْوُجُوه الْبَاكِيَة
صَوْت صَرِير الدُّمُوع ينهمر فَوْق جُمجمتي كالقذائِف
أَرَى الْأَطْفَال تركض هَارِبَة بَاكِيَة
الْخَوْف يَنْظُرُ مِنْ بَعِيدٍ
يُرَاقِب الْمَشْهَد بوحشية داعشية
وَهُنَاك أَب يَرْثِي أَبْنَائِه كُلُّهُم
كُلُّهُم يَا أُبَيّ
صَوْت الصُّرَاخ يَعْلُو أَصْوَات الزغاريد
صَوْت المِدْفَعِيَّة أَخْمَد المِذْياع
صَمَتَت فَيْرُوز …
التَّابُوت يُحْمَل آلَافٍ مِنْ حُمَاةِ الدِّيَار
وَالشُّعَب يَهْتِف بَاكِياً عَلَيْهِم أَلْف سَلَام
عَلَى رُوحَهُم الطَّاهِرَة أَلْف ياسمينة وَسَلَام يَا أُبَيّ
أَم الشَّهِيد هُنَاك تتكئ عَلَى تَابُوت الثَّرَى تَلَطَّم خَدَّيْهَا تَضْرِب رَأْسِهَا تَصِيح أااخ وَلَدِي
فِي كُلِّ شَهْقَة تَصِيح ااخ
تزغرد باكيتا
يَنَابِيع الشَّام تَتَفَجَّر مِن مقلتيها
دِمَشْق ثَكْلَى يَا أُبَيّ
دِمَشْق ثَكْلَى
ياسمينها لَمْ يَعُدْ يُزَيِّن حاراتها وَبُيُوتِهَا
ياسمينها زِينَة لِلْقُبُور
قَارُورَة لعطر الْمَوْت يَا أُبَيّ
عُذْرًا أَوْرَاقِي
سَأَتْرُك الْقَلَم الْآن وَأَخْلَد لينطفئ الصُّرَاخ فِي تلافيفي وَيُهْدِي
سأنام وَأَنَا عَلَى يَقِينٍ الْغَد آت
آتٍ وحاملاً مَعَه شَآم الْمَجْد
ستصرخ المآذن غَداً
حَيَّ عَلَى دِمَشْقَ
حَيَّ عَلَى دِمَشْقَ .