هكذا بدأت خيرة مباركي الشاعرة الناقدة المصوِّرة .... ديوانها ... أو بمعنى أدق لوحاتها المكتوبة ... و حيث أنني بصدد الدخول في معمار خيرة مباركي فإني أقدم لمتابعيَّ مملكة من فن تختلط فيها الألوان بالكلمات في معزوفة فريدة تضيف للأدب العربي منطقة جديدة نحتار في وصف جمالها و مفاتن ثرواتها.
و ( عيونٌ تعزف الوجد ) هو عنوان بليغ لعمل فني بارع تناولته فنانة تحمل في جعبتها ريشة و قلم و ناي حزين ... فتنطلق في إثراء صفحات الديوان بكل ما تحمله في قلبها من ثقافة و فن و عمق ديني و لغة رصينة أعادت تركيبها من جديد لتشكّل منهجها الفريد.
لكننا عندما نغوص في أعماق بحرها الفني نجدها في ثوب المرأة العربية التي تكتم صرخاتها حينا و تفصح عنها حيناً آخر ... و تتشبث بالموروث الديني العميق كثيرا لتبدأ منه إسقاطاتها الفنية الملهمة .
لنجد أن وراء كل عنوان للقصيدة بعداً دينيا أو عربيا أو فكريا تنبعث منه آهاتها المكلومة .... فهناك ( لذا أسميك العزيز ) ... لتجعلنا نسترجع عزيز يوسف ... و ( سوءة الفراديس ) استلهام ديني .... و ( أعلنك وصية الأنبياء ) نبع ديني .... ( أبابيل الحب ) اسقاط ديني ... 
و تمر قصائد خيرة مباركي بهدوء تعقبه عاصفة ثم هدوء ثم عاصفة ... كأن ما بداخلها بركان يهبُّ تارة و يخمد تارة ... لكنها حين تثور في القصيدة تقذفنا برياح هوجاء تطير بألبابنا .
فهي إذن المحبة المخلصة في قصائدها و التي تتسامح رغم ظلم المحب اللاهي العابث .... فتقول 
سأدفن في أعماقي صباحكْ
و لن تتلمّظ رحتي
إو تترشفني كرغبة منسية
فقد استحلفتني 
أن أقدّ قميصي من دبرٍ
فامرأة العزيز أورثتني
صلوات و نوافلْ
و عشتار شرنقتني بعزة البهاءْ
.....
ثم تقول : 
تمهلْ
فقد تغفرُ زنبقة السفوح
صهييييييييل
الهاوية 
يا العزيز
يا الصاخب في عروقي 
.....
و في قصيدة تتهاوى تحت عروشي :
في النبض الراجف 
بالوجل ..
ألحاظي يحركها النسيم
و قلبي
تترقرق شعيراته
في المضايق
الجنون العلوي 
يساجل الروح 
على يافظة مخذولة 
.........
ثم تقول :
سوف أعلنك ورقةً نسيّةً منسيةً
لأني دعوتك أيها الإنسيّ
و أنا ربة المسارح .....
......
يا من سخرت بأنات
نبضي
لن تر صرح عرشي
لأنك
مدنس بعشق النساء
.........
و هكذا تتوالى الموجات الشعرية بين ارتفاع و انخفاض ... بين غضب ووعيد ... و تسامح فريد .... بين قلب قاسٍ و رحمة مستترة ... لذا فإن الشاعرة تعبر عن مراحل نفسية متعددة داخل القصيدة الواحدة و كأنها رحلة حب و قصة غرام تبدأ سعيدة و تنتهى بدموع الحبيبة المجروحة المسامحة من أجل رقي معنى الحب في نفسها .

و أخيرا و ليس بآخر ... و حتى لا أطيل عليكم فإني أغبط نفسي كوني قارئا من قراء خيرة مباركي الناقدة الشاعرة الفنانة التي لن ننتهي إذا قررنا أن نحيط بكل جماليات فنونها المعطاءة لا فهي اسم على مسمى ...
د. محمد عباس الطاف