|
المهرجانات الشعرية بين النخبوية والمحسوبية: تغييب النص وتكرار الوجوه.. بقلم د. موسى الشيخاني في المشهد الثقافي العربي، تُعد المهرجانات الشعرية من أبرز الفعاليات التي يُفترض أن تحتفي بالكلمة، وتمنح القصيدة منصةً تليق بها، وتبرز المواهب الشعرية الجديدة وتحتضن الإبداع الحقيقي. غير أن الواقع كثيرًا ما يخالف هذا التصور، إذ تحولت كثير من هذه المهرجانات إلى واجهات نُخبوية مغلقة تُدار بعلاقات شخصية، ومصالح ضيقة، على حساب الجودة الشعرية والمعايير الإبداعية.
تكرار الأسماء وتدوير الوجوه
المتتبع لفعاليات المهرجانات الشعرية في الوطن العربي يلاحظ بوضوح تكرار نفس الأسماء في أغلب التظاهرات، حتى ليبدو أن الأمر أشبه بـ"نخبة مغلقة" يتم تداولها بين القائمين على المهرجانات، وكأن الشعر لا يُنتَج إلا على يد قلة قليلة من الأسماء التي تحظى بالرضا المؤسسي أو العلاقات الخاصة. يغيب التنوّع، ويُقصى الكثير من الشعراء الحقيقيين، فقط لأنهم لا يمتلكون الظهير الإعلامي أو العلاقات الكافية للوصول.
معايير الاختيار: علاقات لا نصوص
بعيدًا عن قوة النص وفرادته، صار معيار الدعوة للمشاركة في هذه الفعاليات يعتمد على شبكة العلاقات، والولاءات، والانتماءات الفكرية أو الحزبية أحيانًا، في تهميش واضح لجوهر الشعر. وبدلًا من أن تكون المهرجانات منصة لاكتشاف أصوات جديدة، أصبحت وسيلة لتكرار نفس الأصوات، ونفس التجارب، ونفس الخطاب، ما يؤدي إلى جمود في المشهد الشعري، وتهميش للطاقات الحقيقية.
الإقصاء وتكريس التراتبية
تُمارَس في كثير من هذه الفعاليات آلية إقصاء ناعمة، تُقصي دون أن تُعلن، حيث تُبنى القوائم بعناية "نخبوية" تشبه ما يُعرف في السياسة بـ"الدوائر المغلقة". وما يزيد الطين بلة هو أن بعض الشعراء الذين يُستَضافون بصورة متكررة، باتوا يروّجون لهذا التراتب وكأنه معيار جودة، ويعمدون إلى تقديم أنفسهم كممثلين حصريين عن الشعر العربي، وهو أمر يناقض طبيعة الشعر بوصفه صوتًا حرًا، ومجالًا للتمرد لا للامتثال.
خسارة المتلقي وتراجع التأثير
هذه النخبوية والمحسوبية لا تضر الشعراء المقصيين فحسب، بل تضر المتلقي أيضًا، إذ تحرم الجمهور من التعدد والتنوع، وتفرض عليه نمطًا واحدًا من الذائقة. كما أن انعدام التجديد والتكرار الممل يسهم في عزوف الجمهور عن متابعة هذه الفعاليات، بل وتفريغها من محتواها الحقيقي.
خاتمة: إصلاح ضروري
إن كانت المهرجانات الشعرية تريد أن تستعيد دورها الحقيقي، فعليها أن تعيد النظر في آلية اختيار المشاركين، وأن تنفتح على طيف واسع من التجارب، وأن تجعل من جودة النص ومعاييره الفنية بوصلتها الأولى. فلا قيمة لمهرجان شعري لا يحتفي بالشعر، ولا معنى لمنصة لا تُعلي صوت الموهبة، ولا مستقبل لمشهد ثقافي يُدار بالمحسوبية لا بالمعايير.
اعداد: د.موسى الشيخاني الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الخميس 22-05-2025 10:20 صباحا الزوار: 46
التعليقات: 0
|