|
|
||
|
قراءة نقدية معمقة لقصيدة جزيرة النسيان للشاعرة منيرة الحاج يوسف .. اعداد د.موسى الشيخاني
قراءة نقدية معمقة لقصيدة جزيرة النسيان للشاعرة منيرة الحاج يوسف .. اعداد د.موسى الشيخاني
"طقوس الفقد: عرس البحر واغتصاب الذاكرة"
سيرة الشاعرة: شاعرة وكاتبة تونسية من جزيرة جربة متحصلة على الأستاذية في اللغة العربية وآدابها من كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس ، مهتمة بالشأن المجتمعي والبيئي في جزيرتها لها منشورات كثيرة في المجلات والجرائد الإلكترونية والورقية في الشعر والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا في تونس وفي مختلف البلاد العربية وقد فازت في مسابقات أدبية عديدة. لها أعمال مشتركة مع أدباء وشعراء عرب (ديوان كلمات فرنسان الخيمة، ديوان العرب الكبير، فلسطين في عيون الأدباء، الثلاثية السردية، هذا العراق، شذرات من الوجدان، نياشين، وصدر لها ديوان خلجات عن دار الوطن للطباعة والنشر المغربية ) كما لها محاولات في النقد الأدبي والنقد التشكيلي حاصلة على تكريمات عديدة، شاركت في مهرجانات كثيرة في تونس والجزائر والمغرب عضو في مواقع الكترونية أدبية وفكرية كثيرة.
قراءة نقدية:
1. العنوان ودلالاته: يحمل العنوان "جزيرة النسيان" تلميحًا إلى مكان غامض، معزول، مليء بالأسرار والذكريات المفقودة. يمثل النسيان هنا فضاءً رمزيًا يحاكي فقدان الهوية والذاكرة، ويشير أيضًا إلى حالة المرأة أو الوطن حين يُجبر على نسيان ذاته.
2. البناء الشعري والصور: القصيدة تنتمي إلى الشعر الحر، وتتميز بسلسلة من المشاهد الشعرية المتلاحقة التي تنسج صورًا حسية من الطبيعة (الشمس، الزيتون، الموج، النوارس، النخيل، الساحل). هذه الصور تتداخل مع صور مؤلمة مثل "اغتصاب الزمان والصبيان"، ما يكشف عن صراع داخلي بين الجمال والخراب.
لاحظنا أن الشاعرة تمزج بين: - الطبيعة الحية (الشمس، الموج، الزيتون). - الرموز الإنسانية والاجتماعية (الشارع، الحكايات، العشاق). - التهكم الصارخ في نهاية النص، كأنها توجه خطابًا احتجاجيًا ضد العنف الممارس على "جزيرة" هي الوطن أو جسد المرأة.
3. الرمزية: - الشمس: رمز الأمل المفقود أو الحب الذي أشرق يومًا، لكنه نُسي لاحقًا. - النوارس: كائنات حرة تضع بيضها دون خوف، تعيد دورة الحياة، رغم الخراب المحيط. - النخلة: رمز الصمود في الصحراء – رغم عطشها المميت، ما زالت واقفة. - حبوب منع الحمل: ترميز فجّ لفرض النسيان أو الإجهاض القسري للأحلام/الذكريات/التاريخ.
4. الثيمة المركزية: تدور القصيدة حول فقدان الذاكرة الجماعية أو الذاتية: - "جزيرة النسيان" ليست مجرد مكان، بل حالة ذهنية وروحية. - تتحول إلى استعارة عن الوطن المستباح: "الزمان والصبيان" يغتصبونها، في إشارة إلى قوى المجتمع والسياسة الذكورية التي تسلبها ذاتها. - الطبيعة (النوارس، الزيتون، النخيل) تلعب دور الشاهد على هذا الفقد، لكنها عاجزة عن منعه.
5. اللغة والأسلوب: - اللغة مشبعة بالصور الحسية: "عطش خرافي"، "طقطقات الأكعاب العالية"، "رغوة بيضاء". - أسلوب التداعي الحر: انتقال مفاجئ بين مشاهد الليل والفجر، البحر والصحراء. - استخدام فعل "تنتحر" و"تنتثر" و"تغرق" يوحي بدوامة عبثية من الانهيار والتجدد.
6. دلالات اجتماعية وسياسية: في نهاية القصيدة، توحي عبارة "حبوب منع الحمل وفقدان الذاكرة" بأن هناك سلطة ذكورية أو سياسية تفرض حالة من الإجهاض القسري للأحلام. "جزيرة النسيان" قد تكون استعارة عن وطن عربي تُنتَهك ذاكرته (تونس، أو العالم العربي)، أو عن المرأة التي تُغتصب رمزيًا، فتُسلب حقها في التذكر والوجود.
الخلاصة: تُجسّد "جزيرة النسيان" قصيدة احتجاجية عميقة، تجمع بين الرومانسية الحسية والنقد الاجتماعي الحاد. توظف منيرة الحاج يوسف بحرًا من الرموز والصور لتطرح تساؤلات عن فقدان الهوية والذاكرة، وتكشف هشاشة الكيان الفردي والجمعي أمام سطوة العنف الممنهج – سواء من الطبيعة القاسية أو من الإنسان نفسه.
القصيدة : جزيرة النسيان الشاعرة منيرة الحاج يوسف / تونس – 2025
ألشمس ألتي أشرقت..
على غابة الزيتون
نسيت شعاعها في قلب الحبات
غادرت ألمساء ….
في قطار الليل…ألحالك
باحثة عن بعض سبات الموج
في همسه عزف ..
ونزف
نسي على ظهر الساحل
رغوة بيضاء
تخبر النوارس بأسرار العودة….
ترسم خارطة ألتحليق
ستضع النوارس بيضها
على أعتاب الصيف
لتحضنه عروس البحر
حتى يفقس ذات نسيان
دون فزع أو خوف..
على أمتداد طريق رومانية عجوز
لا ذاكرة للبحر الذي أكلت ملوحته
اخر الحيتان الميتة في القاع…
فما عاد يفرق
بين ما يجوز وما لا يجوز….
على بعد شعاع ونيف
وقفت نخلة شامخة
تبتسم لقمر يوليو
تستقبل رذاذ أيلول بعطش خرافي
للنخيل في جزيرة النسيان
جذوع معلقة
بين الأرض والسماء
نسي جريدها أن يلونها ببعض خضرته
فأصفر العذق والسعف. .
الشارع ألممتد كعفريت أخرس…
تحرسه أعمدة منطفئة
نسي أيضا
كل الحكايات الجميلة ..
التي تبادلها العشاق على مسمع منه
عيونه كحلها الظلام …
وأطلقت الأغاني التي رددها المشاة
ذاكرتها للريح….
حتى تنسى طقطقات الأكعاب ألعالية..
على الرصيف الحزين قرب ألبرج العتيق
اخر الليل
تصحو أحلام الجزيرة
وعند الفجر
تستحم في الشاطئ الشرقي
تتعطر
تتبختر
تتوتر
تتبخر ….
تنتحر
على صخور سيدي جمور
وتنتثر أحلام وردية جديدة
في كل ارض بور
لتنبت في موسم ألسياحة المقبل
وتغرق من جديد..
في مغاطس السباحة
وتنام جزيرة النسيان
بعد أن يجبرها السلطان
على ان تلتهم
حبوب منع الحمل
وفقدان الذاكرة
وبكل وقاحة .
يتوالى على اغتصابها
ألزمان والصبيان . الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 03-06-2025 06:39 مساء الزوار: 227 التعليقات: 0
|
|