|
|
||
|
الغرائبية في المجموعة القصصية ب ت ر لسمر الزعبي
الناقد محمد رمضان الجبور (ب ت ر) من المجموعات القصصية الصادرة عام 2020م عن وزارة الثقافة الأردنية للقاصة والأديبة سمر الزعبي، وتقع المجموعة في 108 صفحات من القطع المتوسط، وتضم بين دفتيها ثلاثاً وعشرين نصاً، عمدت القاصة إلى تقسيمها داخل هرم كبير، فضم رأس الهرم أربع قصص، ووسط الهرم خمس قصص، وقلب الهرم ست قصص، وقاعدة الهرم الكبيرة ثمان قصص، فسمة الغرائبية قد تكون هي الأبرز في هذه المجموعة، فاختيار القاصة لشكل الهرم الذي يرمز إلى الأساطير والغرائبية، لم يكن من قبيل الصدفة، وترتيب القصص العددي – أربعة، خمسة، ستة، ثمانية، بحيث كان رأس الهرم قد ضم اربع قصص تتحدث عن الكون والخلق، وقاعدة الهرم قد أتسعت لتضم بين دفتيها ثماني قصص تتحدث عن أمور حياتية واجتماعية، جميع هذه الأمور وأمور أخرى سوف نعرضها أكسبت المجموعة سمة الغرائبية والخيال. فلا شك أن ّالغرائبية تبدأ من عنوان المجموعة «ب ت ر» التي هي العتبة الأولى للعمل، وتستمر في نصوص أخرى، مما يجعل القارئ يتوقع أن يكون كل شيء في المجموعة غير تقليدي وغير مألوف، ف «ب ت ر» لا يقتصر على كونه عنوانًا فقط، بل هو بوابة إلى عالم لا يعترف بالقواعد المعتادة، وهو ما يجعل القارئ في حالة من الترقب المستمر لمعرفة كيف ستستمر هذه الغرابة في القصص الأخرى، فعنوان المجموعة من أول العناصر التي تثير استغراب القارئ وتجذبه لدخول عالم الغرائبية التي تميز القصص، ويمكن القول أن العنوان يشكل بداية استثنائية للرحلة الأدبية التي ستخوضها القاصة مع نصوص المجموعة، حيث أن الأحرف الثلاثة تبدو غير مألوفة أو غير مفهومة في سياقها الأول، مما يدفع القارئ للتساؤل عن دلالاتها ومعانيها، كما أنّ العنوان لا يحمل المعنى المباشر أو المألوف، وهذا يتناقض مع معظم العناوين المعتادة التي تشرح أو تقدم تلميحًا حول محتوى العمل، بدلاً من ذلك، يترك العنوان «ب ت ر» المجال مفتوحًا للتفسير الشخصي، مما يشير إلى أن المجموعة قد تكون مليئة بالأسئلة الغريبة وغير المحسومة، ويجب على القارئ أن يكتشف تلك الإجابات بنفسه أثناء قراءته، ولم يقتصر الأمر على عنوان المجموعة، بل المتصفح لقصص المجموعة يرى أنّ القاصة قد عنونت بعض قصصها بعناوين فيها الكثير من الغرائبية كقصة «جثدودة» و»ديك دوت دوم» و»في بيتنا هامستر» و»رخويات» و»140 سم». توظف القاصة سمر الزعبي الأساطير كأداة لإضفاء أجواء من الغرائبية والرمزية على قصصها فاستخدام الأساطير والأسطورة في القصة القصيرة يمكن أن يكون له دور كبير في خلق فضاء موازٍ للواقع، يعكس أفكارًا ومشاعر قد تكون غير قابلة للتعبير عنها مباشر، ففي القصة الأولى للمجموعة « ب ت ر « ص9 تحكي القاصة قصة مدينة البتراء، المدينة الوردية، فالطائر العملاق الذي خسر أحد جناحيه دفاعًا عن مدينة البتراء يمثل رمزًا رائعًا للبطولة والتضحية، وربما يحمل أيضًا دلالة على فقدان جزء من القوة أو الهوية في مواجهة تحديات الزمن أو الظروف الصعبة، فمن خلال الأسطورة التي تتحدث عنها القاصة، يمكن أن نرى توازيًا بين الطائر الذي فقد جناحه والمدينة التي قد تكون تعاني من التراجع أو التدمير، وقد تكون هذه القصة تمهيدًا لتسليط الضوء على موضوعات مثل الصمود، فقدان الهوية، أو حتى الثمن الذي يدفعه الأفراد والمجتمعات لحماية ما يعتبرونه مقدسًا. وفي قصة «أدوار» ص15 توظف القاصة أسطورة «رع-حوراختي» وهي من الأساطير المصرية القديمة ومن أبرز الأساطير التي تجمع بين القوة الإلهية والرمزية العميقة، حيث يُعتقد أن «رع» هو إله الشمس و»حور-أختي» هو إله السماء، وهو من الأشكال المتعددة للإله حورس، وتستحضر الأسطورة التوازن بين القوى المتناقضة مثل الضوء والظلام، الحياة والموت، أو حتى العدالة والظلم، ولا شك أنّ القاصة في قصة «أدوار» قد اختارت توظيف هذه الأسطورة بشكل يعكس الصراع الداخلي أو الاجتماعي بين الأدوار المختلفة التي يلعبها الفرد في الحياة، يؤكد الباحث توزفتان تودوروف «إن العجائبي هو التردد الذي يحسّه كائن لا يعرف غير القوانين الطبيعية، فيما يواجه حدثاً فوق طبيعي حسب الظاهر». فالقصة القصيرة عندما تخرج عن المألوف وتكسر القوالب السردية الجاهزة المستهلكة وتسبح في عالم من الغرائبية، فإنها تستفز المتلقي وتطرح أسئلة مختلفة، وتحمل القارئ أو المتلقي إلى عوالم جديدة، قد تكون الشخصية من الشخصيات العجائبية، أو قد يكون المكان، أو الحدث كما في الكثير من قصص المجموعة، وقد تكون جميع هذه العناصر معاً. لقد برعت القاصة في اختيار شخصياتها وتوظيف الخيال بأسلوب مميز يتناسب مع مضمون العمل، فنجحت في خلق عوالم سردية تجمع بين الواقع والأسطورة، وقد طعمت قصصها بالعديد من الأساطير والحكايات الشعبية التي منحت العمل بعدًا غنيًا وعميقًا. مما أضفى على النص طابعًا غرائبيًا محملاً بالرمزية والمعاني، وأسهم في جذب القارئ إلى عالم فريد من نوعه، مفعم بالإبداع والتشويق. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب: سكرتاريا التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 18-05-2025 11:02 مساء الزوار: 38 التعليقات: 0
|
|